أخبار دريد بن الصمة ونسبه
  هذا فارس واحد يقود ظعينة، وخليق أن يكون الرجل قرشيّا. فقال دريد: هل منكم رجل يمضي إليه فيقتله ويأتينا به وبالظَّعينة؟ فانتدب إليه رجل من القوم فحمل عليه، فلقيه مسهر فاختلفا طعنتين بينهما، فقتله مسهر بن الحارث. ثم حمل عليه آخر فكانت سبيله سبيل صاحبه؛ حتى قتل منهم أربعة نفر. وبقي دريد وحده فأقبل إليه؛ فلما رآه ألقى الخطام من يده إلى المرأة وقال: خذي خطامك؛ فقد أقبل إليّ فارس ليس كالفرسان الذين تقدّموه؛ ثم قصد إليه وهو يقول:
  أما ترى الفارس بعد الفارس ... أرداهم عامل رمح يابس
  / فقال له دريد: من أنت للَّه أبوك؟ قال: رجل من بني الحارث بن كعب. قال: أنت الحصين؟ قال لا. قال:
  فالمحجّل هوذة؟ قال لا. قال: فمن أنت؟ قال: أنا مسهر بن يزيد. قال: فانصرف دريد وهو يقول:
  أمن ذكر سلمى ماء عينيك يهمل ... كما انهلّ خزر من شعيب مشلشل(١)
  وماذا ترجّي بالسلامة بعد ما ... نأت حقب وابيضّ منك المرجّل(٢)
  وحالت عوادي الحرب بيني وبينها ... وحرب تعلّ الموت صرفا وتنهل
  قراها إذا باتت لديّ مفاضة ... وذو خصل نهد المراكل هيكل(٣)
  كميش(٤) كتيس الرّمل أخلص متنه ... ضريب(٥) الخلايا والنّقيع المعجّل
  عتيد لأيّام الحروب كأنّه ... إذا انجاب ريعان العجاجة أجدل(٦)
  يجاوب(٧) جردا كالسّراحين(٨) ضمّرا ... ترود بأبواب البيوت وتصهل
  على كل حيّ قد أطلَّت بغارة ... ولا مثل ما لاقى الحماس وزعبل
  - الحماس وزعبل: قبيلتان من بني الحارث بن كعب -
  غداة رأونا بالغريف(٩) كأنّنا ... حبيّ(١٠) أدرّته الصّبا متهلَّل
  بمشعلة تدعو هوازن، فوقها ... نسيج من الماذيّ(١١) لأم مرفّل
  / لدى معرك فيها تركنا سراتهم ... ينادون، منهم موثق ومجدّل
(١) شلشل الماء: قطر.
(٢) المرجل: الشعر؛ يقال: رجل الشعر إذا سرحه.
(٣) المفاضة هنا: الدرع. وذو خصل: يريد فرسا. والمراكل: جمع مركل وهو حيث تصير رجلك من الدابة؛ يقال فرس نهد المراكل أي واسع الجوف. والهيكل: الضخم.
(٤) الكميش: السريع.
(٥) الضريب: اللبن. والخلايا: جمع خلية وهي الناقة المخلاة للحلب. يريد أن هذا الفرس معتنى به.
(٦) الأجدل: الصقر.
(٧) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يحارب» وهو تحريف.
(٨) السراحين: الذئاب واحدها سرحان.
(٩) كذا في الأصول. ولعلها العزيف أو نحو ذلك.
(١٠) الحبي: السحاب المتراكم. وفي الأصول: «حيي» بياءين.
(١١) الماذي: الدروع اللينة السهلة. واللأم: الدروع، واحدها لأمة. والمرفل: المسبغ.