أخبار إبراهيم بن العباس ونسبه
  لمّا عزم(١) المأمون على الفتك بالفضل بن سهل، وندب له عبد العزيز بن عمران الطائيّ، ومؤنسا البصريّ، وخلفا المصريّ، وعليّ بن أبي سعد ذا القلمين، وسراجا الخادم، نمي الخبر إلى الفضل، فأظهره للمأمون وعاتبه عليه. فلمّا قتل الفضل وقتل المأمون قتلته، سأل من أين سقط الخبر إلى الفضل؟ فعرّف أنه من جهة إبراهيم بن العبّاس، فطلبه فاستتر. وكان إبراهيم عرف هذا الخبر من جهة عبد العزيز بن عمران، وكان الفضل استكتب إبراهيم لعبد العزيز بن عمران، فأخبر به الفضل. قال: وتحمّل إبراهيم بالناس على المأمون، وجرّد في أمره هشاما الخطيب المعروف بالعبّاسيّ وكان جريئا على المأمون لأنه ربّاه، وشخص إليه إلى خراسان في فتنة إبراهيم بن المهديّ، فلم يجبه المأمون إلى ما سأل. فلقيه إبراهيم مستترا وسأله عمّا عمل في حاجته.
  فقال له هشام: قد وعدني في أمرك بما تحبّ. فقال له إبراهيم: أظنّ أن الأمر على غير هذا! قال: وما تظنّ؟
  قال: محلَّك عند أمير المؤمنين أجلّ من أن يعدك شيئا فترضى بتأخيره، وهو أكرم من أن يعد مثلك شيئا فيؤخّره، ولكنك سمعت ما لا تحبّ فيّ فكرهت أن تغمّني به فقلت لي هذا القول، وأحسن اللَّه على كل الأحوال جزاءك، فمضى هشام إلى المأمون فعرّفه خبر إبراهيم، فعجب من فطنته وعفا عنه. قال: وفي هشام يقول إبراهيم بن العبّاس:
  من كانت الأموال ذخرا له ... فإنّ ذخري أملي في هشام
  فتى يقي اللَّامة عن عرضه ... وأنهب المال قضاء الذّمام
  مدح الفضل بن سهل:
  أخبرني عمّي قال حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل قال:
  دخل إبراهيم بن العبّاس على الفضل بن سهل فاستأذنه في الإنشاد، فقال هات، فأنشده:
  يمضي الأمور على بديهته ... وتريه فكرته عواقبها
  فيظلّ يصدرها ويوردها ... فيعمّ حاضرها وغائبها
  وإذا ألمّت صعبة عظمت ... فيها الرزيّة كان صاحبها
  المستقلّ بها وقد رسبت ... ولوت على الأيام جانبها
  وعدلتها بالحقّ فاعتدلت ... ووسعت راغبها وراهبها
  وإذا الحروب غلت بعثت لها ... رأيا تفلّ به كتائبها
  رأيا إذا نبت السيوف مضى ... عزم بها فشفى مضاربها
  أجرى إلى فئة بدولتها ... وأقام في أخرى نوادبها
  / وإذا الخطوب تأثّلت ورست ... هدّت فواصله نوائبها
  وإذا جرت بضميره يده ... أبدت به الدّنيا مناقبها
  وأنشدني عمّي لإبراهيم بن العبّاس في الفضل بن سهل وفيه غناء:
(١) راجع الطبري في هذه القصة (ق ٣ ص ١٠٢٥ - ١٠٢٨) ففيها اختلاف عما هنا.