بعض أخبار إبراهيم بن المهدي
  سأله الرشيد عن أحسن الأسماء وأسمجها فأجابه:
  أخبرني جعفر بن قدامة(١) قال حدّثتني شارية الكبرى مولاة إبراهيم بن المهديّ قالت: سمعت مولاي إبراهيم بن المهديّ يحدّث قال:
  كنت بين يدي الرشيد جالسا على طرف حرّاقة من حرّاقاته وهو يريد الموصل / وقد بلغنا إلى السودقانية(٢)، والمدّادون يمدّون السفن، والشّطرنج بيني وبينه، والدّست متوجّه له، إذ أطرق هنيهة ثم قال لي:
  يا بن أمّ، ما أحسن الأسماء عندك؟ قلت: محمد اسم رسول اللَّه ﷺ. قال: ثم أيّ شيء بعده؟ قلت: هارون اسم أمير المؤمنين. قال: فما أسمج الأسماء؟ قلت: إبراهيم. فزجرني ثم قال: ويحك! أتقول هذا! أليس هو اسم إبراهيم خليل الرحمن! فقلت له: بشؤم هذا الاسم لقي من نمرود ما لقي وطرح في النار. قال: فإبراهيم ابن النبيّ ﷺ؟ قلت: لا جرم أنه لم يعمّر من أجله. قال: فإبراهيم الإمام؟ قلت بحرفة(٣) اسمه قتله مروان في حرّان(٤). وأزيدك يا أمير المؤمنين: إبراهيم بن الوليد خلع، وإبراهيم بن عبد اللَّه بن حسن قتل، وعمّه إبراهيم بن حسن سقط عليه السجن فمات، وما رأيت واللَّه أحدا يسمّى / بهذا الاسم إلَّا قتل أو نكب أو رأيته مضروبا أو مقذوفا أو مظلوما. ثم ما انقضى الكلام حتى سمعت ملَّاحا يصيح بآخر: مدّ يا إبراهيم يا عاضّ بظر أمّه مدّ.
  فقلت له: أبقي لك شيء بعد هذا! ليس واللَّه في الدنيا اسم أشأم من إبراهيم والسلام. فضحك واللَّه حتى أشفقت عليه.
  غنى المأمون لحنا عرض فيه بالحسن بن سهل:
  حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللَّه الهشاميّ عن أبيه قال:
  دخل الحسن بن سهل على المأمون وهو يشرب؛ فقال له: بحياتي وبحقّي عليك يا أبا محمد إلَّا شربت معي قدحا، وصبّ له من نبيذه قدحا. فأخذه بيده وقال له: من تحبّ أن يغنّيك؟ فأومأ إلى إبراهيم بن المهديّ فقال له المأمون: غنّه يا عمّ، فغنّاه:
  تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
  يعرّض به لما كان لحقه من السوداء والاختلاط. فغضب المأمون حتى ظنّ إبراهيم أنّه سيوقع به، ثم قال له:
  أبيت إلَّا كفرا يا أكفر خلق اللَّه لنعمه! واللَّه ما حقن دمك غيره! ولقد أردت قتلك فقال لي: إن عفوت عنه فعلت فعلا لم يسبقك إليه أحد، فعفوت واللَّه عنك لقوله. أفحقّه أن تعرّض به ولا تدع كيدك ولا دغلك! أو أنفت من إيمائه إليك بالغناء!. فوثب إبراهيم قائما وقال: يا أمير المؤمنين، لم أذهب حيث ظننت، ولست بعائد؛ فأعرض عنه.
(١) في ب، س: «جعفر بن محمد بن قدامة». وقد تقدم هذا الاسم في رجال السند غير مرة.
(٢) ظاهر من السياق أنها موضع.
(٣) كذا في الأصول وهو تحريف والمعنى المراد واضح إذ هو يريد بشؤم اسمه أو نحو ذلك.
(٤) في بعض الأصول هكذا: «في جراب النورة» وفي بعضها: «في حراب النورة» وكلاهما تحريف. والمذكور في كتب التاريخ: أن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس القائم بالدعوة العباسية قتله مروان بن محمد وهو في سجنه بحران، وقيل: إنه مات بالطاعون فيه، وقيل: إنه مات مسموما. وحران مدينة عظيمة وهي قصبة ديار مضر على طريق الموصل والشام والروم. (انظر «تاريخ الطبري» ق ٣ ص ٢٤ - ٢٧ «ومعجم البلدان» لياقوت في الكلام على «حران»).