كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

بعض أخبار إبراهيم بن المهدي

صفحة 333 - الجزء 10

  غنى للمعتصم لحنا وسمعه أحمد بن أبي دواد فمال للغناء بعد أن كان يتجنبه:

  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني جرير بن أحمد بن أبي دواد قال حدّثني أخي عن أبي قال:

  كنت أتجنّب الغناء وأطعن على أهله وأذمّ لهجهم به؛ فوجّه المعتصم إليّ عند خروجه من مدينة السلام:

  الحق بي؛ فلحقت به بباب الشمّاسيّة ومعي غلامي زنقطة، فوجدته قد ركب الزورق، وسمعت عنده صوتا أذهلني حتى سقط سوطي / من يدي ولم أشعر به، ثم احتجت وقد أعنق بي برذوني أن أكفّه بسوطي. فقلت لغلامي: هات سوطك؛ فقال: سقط واللَّه من يدي لمّا سمعت هذا الغناء. فغلبني الضّحك حتى بان في وجهي.

  ودخلت إلى المعتصم بتلك الحال. فلمّا رآني قال لي: ما يضحكك يا أبا عبد اللَّه؟ فحدّثته، فقال: أتتوب الآن من الطعن علينا في السماع؟ فقلت له: قبل ذلك من كان يغنّيك؟ قال: عمّي إبراهيم، كان يغنّيني:

  إنّ هذا الطويل من آل حفص ... أنشر المجد بعد ما كان ماتا

  ثم قال: أعده يا عمّ ليسمعه أبو عبد اللَّه فإني أعلم أنه لا يدع مذهبه. فقلت: بلى واللَّه لأدعنّه / في هذا ولا لمتك عليه. فقال: أمّا إذ⁣(⁣١) كانت توبته على يديك يا عمّ فلقد فزت بفخرها وعدلت برجل ضخم عن رأيه إلى شأننا.

  فضله مخارق على نفسه وعلى إبراهيم الموصلي وابن جامع:

  حدّثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني طلحة بن عبد اللَّه الطَّلحيّ قال حدّثني الحسين بن إبراهيم⁣(⁣٢) قال:

  كنت أسأل مخارقا: أيّ النّاس أحسن غناء؟ فيجيبني جوابا مجملا حتى حففت⁣(⁣٣) عليه يوما قال: كان إبراهيم الموصليّ أحسن غناء من ابن جامع بعشر طبقات، وأنا أحسن غناء من إبراهيم الموصليّ بعشر طبقات، وإبراهيم بن المهديّ أحسن غناء منّي بعشر طبقات. قال ثم قال لي: أحسن الناس غناء أحسنهم صوتا، وإبراهيم بن المهديّ أحسن الجنّ والإنس والوحش والطير صوتا، وحسبك هذا.

  سمع إسحاق الموصلي صوتا من لحنه وشعره فطرب له واستعاده عامة يومه وقصة ذلك:

  حدّثني عليّ بن هارون المنجّم قال حدّثني محمد بن أحمد بن عليّ بن يحيى قال سمعت جدّي عليّ بن يحيى يقول حدّثني محمد بن الفضل الجرجرائي⁣(⁣٤) قال:

  / انتبهت يوما مغلَّسا، فدخل إليّ الغلام فقال لي: إسحاق الموصليّ بالباب قبل أن أصلَّي الغداة. فقلت:

  يدخل، في الدنيا إنسان يستأذن لإسحاق! فدخل فقال: حملني الشوق إليك على أن بكرت هذا البكور، وقد حملت معي نبيذي وعملت على المقام عندك. فقلت: مرحبا بك وأهلا. ودعوت طبّاخي فسألته عمّا في


(١) كذا في ج. وفي سائر الأصول: «إذا» وهو تحريف.

(٢) في ب، س: «الحسين بن إبراهيم بن رياح» وورد في الأصول المخطوطة كما أثبتناه.

(٣) يقال حفه القوم وبه وحواليه إذا أحدقوا به وأطافوا وعكفوا، فلعله يريد هنا حتى أحدقت به مضيفا عليه بالجواب.

(٤) كذا في الطبري (ق ٣ ص ١٣٧٩، ١٤٠٧، ١٥١٤) وفي الأصول: «الجرجاني» وهو تحريف.