بعض أخبار إبراهيم بن المهدي
  استتر إبراهيم بن المهديّ عند بعض أهله من النّساء، فوكَّلت بخدمته جارية جميلة وقالت همسا: إن أرادك لشيء فطاوعيه وأعلميه ذلك حتى يتّسع له، فكانت توفّيه حقّه في الخدمة والإعظام ولا تعلمه بما قالت لها؛ فجلّ مقدارها في نفسه إلى أن قبّل يوما يدها، فقبّلت الأرض بين يديه. فقال:
  يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
  / والذي أجللت خدّ ... يه فقبّلت يديه
  بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه
  أنا ضيف وجزاء الضّ ... يف إحسان إليه
  قال: وعمل فيه بعد ذلك لحنا في طريقة الهزج.
  غنى للمأمون بشعر له وكان يخشى بطشه فرق له وأمنه:
  وقال أحمد بن أبي طاهر:
  غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما والمأمون مصطبح، وقد كان خافه وبلغه عنه تنكَّره:
  ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منّي ... هوى الدهر بي عنها وولَّى بها عنّي
  فرقّ له المأمون لمّا سمعه، وقال له: واللَّه لا تذهب نفسك يا إبراهيم على يد أمير المؤمنين، فطب نفسا؛ فإنّ اللَّه قد أمّنك إلَّا أن تحدث حدثا يشهد عليك فيه عدل، وأرجو ألَّا يكون منك حدث إن شاء اللَّه.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... هوى الدّهر بي عنها وولَّى بها عنّي
  فإن أبك نفسي أبك نفسا نفيسة ... وإن أحتسبها أحتسبها على ضنّ
  الشّعر والغناء لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل بالوسطى. وهذا الشعر قاله إبراهيم بن المهديّ لمّا أخرج الجند عيسى(١) بن محمد ابن أخي خالد من الحبس، وله في ذلك خبر طويل، وقد شرطنا ألَّا نذكر من أخباره إلا ما كان من جنس الغناء.
  وفي هذه القصيدة يقول:
  /
  وأفلتني عيسى وكانت خديعة ... حللت بها ملكي وفلَّت بها سنّي
  قال ابن أبي طاهر وحدّثني أبو بكر بن الخصيب قال حدّثني محمد بن إبراهيم قال:
  غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما عند المأمون فأحسن، وبحضرة المأمون كاتب لطاهر يكنى أبا زيد، فطرب
(١) كان من القوّاد، وقد ناصر إبراهيم بن المهدي في وثوبه على الخلافة، وكان من وجوه شيعته ثم غضب عليه وأمر بضربه وحبسه لخيانة ظهرت منه. (انظر «تاريخ الطبري» «ق ٣ ص ١٠٠٢، ١٠٠٤، ١٠٠٦، ١٠٠٧، ١٠١١، ١٠٢٢، ١٠٢٣، ١٠٣٠ - ١٠٣٤).