كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علية بنت المهدي ونسبها ونتف من أحاديثها

صفحة 360 - الجزء 10

  في يديها كأسان وفي يده كأس. فلما صعدا إليه اندفع فغنّى:

  /

  حيّا كما اللَّه خليليّا ... إن ميّتا كنت وإن حيّا

  إن قلتما خيرا فأهلا⁣(⁣١) به ... أو قلتما غيّا فلا غيّا

  ثم ناول كلّ واحد منهما كأسا، وأخذ هو الكأس الثالث⁣(⁣٢) الذي في يد الجارية وقال: هلمّ نشرب على ريقنا قدحا. ثم دعا بالطعام فأكلنا، ووضع النبيذ فشربنا، وغنّياه وغنّاهما وضربا معه وضرب معهما، وغنّت الصبيّة، فطرب أبي وقال لها: أحسنت أحسنت!. فقال له إبراهيم: إن كانت أحسنت فخذها، فما أخرجتها إلَّا لك.

  شكت إليها أم جعفر انقطاع الرشيد فقالت شعرا وغنت به فرجع إليها:

  أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا أبو هفّان قال:

  أهديت إلى الرشيد جارية في غاية الجمال والكمال، فخلا معها يوما وأخرج كلّ قينة في داره واصطبح، فكان جميع من حضره من جواريه المغنّيات والخدمة في الشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زيّ من كلّ نوع من أنواع الثياب والجوهر. واتّصل الخبر بأمّ جعفر فغلظ عليها ذلك، فأرسلت إلى عليّة تشكو إليها. فأرسلت إليها عليّة: لا يهولنّك هذا، فو اللَّه لأردنّه إليك، قد عزمت أن أصنع شعرا وأصوغ فيه لحنا وأطرحه على جواريّ، فلا تبقى عندك جارية إلَّا بعثت بها إليّ وألبسيهنّ ألوان الثياب ليأخذن الصوت مع جواريّ، ففعلت أمّ جعفر ما أمرتها به عليّة. فلما جاء وقت صلاة العصر لم يشعر الرشيد إلا وعليّة قد خرجت عليه من حجرتها، وأم جعفر من حجرتها معها زهاء ألفي جارية من جواريها وسائر جواري القصر، عليهنّ غرائب اللباس، وكلهنّ في لحن واحد هزج صنعته عليّة:

  صوت

  منفصل عنّي وما ... قلبي عنه منفصل

  يا قاطعي اليوم لمن ... نويت بعدي أن تصل

  / فطرب الرّشيد وقام على رجليه حتى استقبل أمّ جعفر وعليّة هو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قطَّ. يا مسرور لا تبقينّ في بيت المال درهما إلا نثرته. فكان مبلغ ما نثره يومئذ ستة آلاف ألف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم قطَّ.

  كانت تحب لحن الرمل:

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال / حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال:

  كانت عليّة تقول: من لم يطربه الرمل لم يطربه شيء. وكانت تقول: من أصبح وعنده طباهجة⁣(⁣٣) باردة ولم يصطبح فعليه لعنة اللَّه.


(١) كذا في ح. وفي أ، م: «فأهلا له». وفي ب س: «فخير لكم».

(٢) كذا في الأصول. ويلاحظ أن الكأس مؤنثه.

(٣) الطباهجة: ضرب من اللحم المقلي.