كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علية بنت المهدي ونسبها ونتف من أحاديثها

صفحة 362 - الجزء 10

  وكأنّها قد اندفعت تغنّيني به، فما سمعت أحسن مما غنّته، ولقد زادت لي فيه أشياء في نومي لم أكن أعرفها. فانتبهت وأنا لا أعقل فرحا به. فباكرت الخليفة وذكرت له القصّة. فقالت عريب: هذا شيء صنعته أنت لما جرى بالأمس، وأمّا الصوت فصحيح. فخلفت للخليفة بما رضي / به أنّ القصة كما حكيت. فقال: رؤياك واللَّه / أعجب، ورحم اللَّه عليّة! فما تركت ظرفها حيّة وميّتة، وأجازني جائزة سنيّة. ولعليّة في هذا الصوت أعني:

  بني الحب على الجور فلو

  لحنان: خفيف ثقيل وهزج. وقيل إن الهزج لغيرها.

  سمع الرشيد لحنين لها من جاريتيها عند إبراهيم الموصلي فرجع إليها وسمعهما منها ومدحهما:

  ونسخت من كتاب محمد بن الحسن الكاتب حدّثني أحمد بن محمد الفيرزان⁣(⁣١) قال حدّثني بعض خدم السلطان عن مسرور الكبير، ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب محمد بن طاهر يرويه عن ابن الفيرزان⁣(⁣١)، وفيهما خلاف يذكر في موضعه، قال:

  اشتاق الرشيد إلى إبراهيم الموصليّ يوما، فركب حمارا يقرب من الأرض، ثم أمر بعض خدم الخاصة بالسعي بين يديه، وخرج من داره، فلم يزل حتى دخل على إبراهيم. فلما أحسّ به استقبله وقبّل رجليه. وجلس الرشيد فنظر إلى مواضع قد كان فيها قوم ثم مضوا، ورأى عيدانا كثيرة، فقال: يا إبراهيم ما هذا؟ فجعل يدافع.

  فقال: ويلك! اصدقني. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، جاريتان أطرح عليهما. قال: هاتهما. فأحضر جاريتين ظريفتين، وكانت الجاريتان لعليّة بنت المهديّ بعثت بهما يطرح عليهما. فقال الرشيد لإحداهما: غنّي، فغنّت - وهذا كله من رواية محمد بن طاهر -:

  بني الحبّ على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج

  ليس يستحسن في حكم الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج

  لا تعيبن من محبّ ذلَّة ... ذلَّة العاشق مفتاح الفرج

  وقليل الحب صرفا خالصا ... لك خير من كثير قد مزج

  فأحسنت جدّا. فقال الرشيد: يا إبراهيم لمن الشعر؟ ما أملحه! ولمن اللحن؟ ما أظرفه! فقال: لا علم لي. فقال للجارية، فقالت: لستّي. قال: ومن ستّك؟ قالت: عليّة / أخت أمير المؤمنين. قال: الشعر واللحن؟! قالت نعم! فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلى الأخرى فقال: غنّي؛ فغنّت:

  صوت

  تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب

  تبصّر فإن حدّثت أنّ أخا هوى ... نجا سالما فارج النّجاة من الحب

  إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب

  - الغناء لعليّة خفيف ثقيل. وفي كتاب علَّويه: الغناء له - فسأل إبراهيم عن الغناء والشعر؛ فقال: لا علم


(١) في أ، م: «الغيزران».