كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علية بنت المهدي ونسبها ونتف من أحاديثها

صفحة 363 - الجزء 10

  لي يا أمير المؤمنين. فقال للجارية: لمن الشعر واللحن؟ فقالت لستّي. قال: ومن ستّك؟ فقالت: عليّة أخت أمير المؤمنين. فوثب الرشيد وقال: يا إبراهيم احتفظ بالجاريتين. ومضى فركب حماره وانصرف إلى عليّة. هذا كله في رواية محمد بن طاهر، ولم يذكره محمد بن الحسن، ولكنه قال في خبره: إن الرشيد زار الموصلَّي هذه الزيارة ليلا، وكان سببها⁣(⁣١) أنه انتبه في نصف الليل فقال: هاتوا حماري فأتي بحمار كان له أسود يركبه في القصر قريب من الأرض، فركبه وخرج في درّاعة⁣(⁣٢) وشئ متلثّما بعمامة وشي ملتحفا برداء وشي، وخرج بين يديه مائة / خادم أبيض سوى الفرّاشين. وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانته عنده، فلما خرج على باب القصر قال: أين يريد أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: أردت منزل الموصليّ. قال مسرور: فمضى ونحن بين يديه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فتلقّاه وقبّل حافر حماره وقال: يا أمير المؤمنين، جعلني اللَّه فداءك، أفي مثل هذه الساعة تظهر! قال: نعم! شوق طرق بي. ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم. فقال له إبراهيم: يا سيّدي / أتنشط لشيء تأكله؟ قال: نعم، وما هو؟ قال: خاميز⁣(⁣٣) ظبي. فأتي به كأنّما كان معدّا له فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب كان حمل معه. فقال له إبراهيم الموصليّ: أوّ غنّيك يا سيّدي أم يغنّيك إماؤك؟ فقال: بل الجواري. فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه. فقال: أيضربن كلَّهن أم واحدة واحدة؟ فقال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغنّي واحدة فواحدة. ففعلن ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه والرّشيد يسمع ولا ينشط لشيء من غنائهنّ، إلى أن غنّت صبيّة من حاشية الصّفّ.

  صوت

  يا موري الزّند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس

  ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس

  فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صانعه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت إليه، فأخبرته بشيء أسرّته إليه. فدعا بحماره فانصرف والتفت إلى إبراهيم فقال: ما عليك ألَّا تكون خليفة! فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به بعد وأدناه. هذا نظم رواية محمد بن الحسن في خبره.

  وقال محمد بن طاهر في خبره: فقال للموصليّ: احتفظ بالجاريتين، وركب من ساعته إلى عليّة فقال: قد أحببت أن أشرب عندك اليوم. فتقدّمت فيما تصلحه، وأخذا في شأنهما. فلمّا أن كان في آخر الوقت حمل عليها بالنبيذ، ثم أخذ العود من حجر جارية فدفعه إليها، فأكبرت ذلك. فقال: وتربة المهديّ لتغنّنّ!. قالت: وما أغنّي؟ قال: غنّي:

  بني الحبّ على الجور فلو

  / فعلمت أنه قد وقف على القصة فغنّته. فلمّا أتت عليه قال لها غنّي:

  تحبّب فإنّ الحبّ داعية الحب

  فلجلجت ثم غنّته. فقام وقبّل رأسها وقال: يا سيّدي هذا عندك ولا أعلم! وتمّم يومه معها.


(١) في الأصول: «سببه».

(٢) الدراعة: ضرب من الثياب، أو هي جبة مشقوقة المقدم.

(٣) الخاميز: مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن. أعجمي معرب.