كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي عيسى بن الرشيد ونسبه

صفحة 372 - الجزء 10

  يعقوب بن المهديّ لا يقدر أن يمسك الفساء إذا جاءه. فاتخذت له داية مثلَّثة وطيّبتها وتنوّقت فيها. فلمّا وضعتها تحته فسا، فقال: هذه ليست بطيّبة. فقالت له الداية: فديتك! هذه قد كانت طيّبة وهي مثلثة، فلما ربّعتها فسدت.

  قال: وكان يعقوب هذا محمّقا، كان يخطر بباله الشيء فيشتهيه فيثبته في إحصاء خزائنه. فضجّ خازنه من ذلك، فكان يثبت الشيء ثم يثبت تحته أنه ليس عنده، وإنما أثبته ليكون ذكره عنده إلى أن يملكه. فوجد في دفتر له⁣(⁣١) فيه ثبت ثياب: «ثبت ما في الخزانة من الثّياب المثقّلة الإسكندرانيّة والهشاميّة، لا شيء - أستغفر اللَّه - بل عندنا منها زرحية⁣(⁣٢) كانت للمهدي. الفصوص الياقوت الأحمر التي من حالها كذا وكذا لا شيء - أستغفر اللَّه - بل عندنا منها درج كان فيه / للمهديّ خاتم هذه صفته». فحمل ذلك الدفتر إلى المأمون، فضحك لمّا قرأه حتى فحص برجله وقال: ما سمعت بمثل هذا قطَّ!.

  كان المأمون يحبه ويتمنى أن يلي الأمر بعده:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا سليمان بن داود المهلَّبيّ قال حدّثني الهيثم بن محمد بن عبّاد عن أبيه قال:

  كان المأمون أشدّ الناس حبّا لأبي عيسى أخيه، كان يعدّه للأمر بعده، وتذاكرنا ذلك كثيرا، وسمعته يقول يوما: إنه ليسهل عليّ أمر الموت وفقد الملك، وما يسهل شيء منهما على أحد، وذلك لمحبّتي أن يلي أبو عيسى الأمر من بعدي لشدّة حبّي إيّاه.

  كان يحب صيد الخنازير فوقع عن دابته، وكان ذلك سبب موته:

  أخبرني محمد بن عليّ قال حدّثني عبد اللَّه بن المعتزّ قال:

  كان سبب موت أبي عيسى بن الرّشيد أنه كان يحب صيد الخنازير، فوقع عن دابّته فلم يسلم دماغه، فكان يتخبّط في اليوم مرّات إلى أن مات.

  عزاء محمد بن عباد المأمون فيه:

  حدّثني محمد قال حدّثنا أبو العيناء قال حدّثنا محمد بن عبّاد المهلَّبيّ قال:

  لمّا مات أبو عيسى بن الرّشيد دخلت إلى المأمون وعمامتي عليّ، فخلعت عمامتي ونبذتها وراء ظهري - والخلفاء لا تعزّى في العمائم - ودنوت. فقال لي: يا محمد، حال القدر / دون الوطر. فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ مصيبة أخطأتك تهون، فجعل اللَّه الحزن لك لا عليك.

  مات سنة تسع ومائتين:

  أخبرنا محمد قال حدّثنا عون بن محمد قال سمعت هبة اللَّه بن إبراهيم يقول: مات أبو عيسى بن الرّشيد سنة تسع ومائتين، وصلَّى عليه المأمون ونزل في قبره، وامتنع من الطعام أياما حتى خاف أن يضرّ ذلك به.

  وجد عليه المأمون وجدا شديدا:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني أبو العيناء قال سمعت محمد بن عبّاد يقول:


(١) كذا في ح. وفي سائر الأصول: ... دفتر عنده له فيه».

(٢) ظاهر من السياق أنها ضرب من الثياب، ولم نعثر عليها فيما عرفناه من مظان.