كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

5 - ذكر نصيب وأخباره

صفحة 260 - الجزء 1

  سرى الهمّ تثنيني إليك طلائعه ... بمصر وبالحوف اعترتني روائعه

  / وبات وسادي ساعد قلّ لحمه ... عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه⁣(⁣١)

  قال: وذكرت فيها الغيث فقلت:

  وكم دون ذاك العارض البارق الذي ... له اشتقت من وجه أسيل مدامعه

  تمشّى⁣(⁣٢) به أفناء⁣(⁣٣) بكر ومذحج ... وأفناء عمرو وهو خصب مرابعه⁣(⁣٤)

  فكلّ مسيل من تهامة طيّب ... دميث الرّبا تسقي البحار⁣(⁣٥) دوافعه⁣(⁣٦)

  أعنّي على برق أريك وميضه ... تضئ دجنّات الظَّلام لوامعه

  إذا اكتحلت عينا محبّ بضوئه ... تجافت به حتّى الصّباح مضاجعه

  هنيئا لأمّ البختريّ⁣(⁣٧) الرّوي⁣(⁣٨) به ... وإن أنهج الحبل الذي أنا قاطعه

  / وما زلت حتّى قلت إنّي لخالع ... ولائي من مولى نمتني قوارعه⁣(⁣٩)

  ومانح قوم أنت منهم مودّتي ... ومتّخذ مولاك مولى فتابعه

  نصيب وأيمن بن خريم الأسدي

  فقال: أنت واللَّه شاعر! احضر بالباب حتّى أذكرك للأمير. قال: فجلست على الباب ودخل، فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرني حتّى دعي بي. فدخلت فسلَّمت على عبد العزيز، فصعّد فيّ بصره وصوّب، ثم قال: أنت شاعر؟ ويلك!.

  قلت: نعم، أيّها الأمير. قال: فأنشدني. فأنشدته، فأعجبه شعري. وجاء الحاجب فقال: أيّها الأمير، هذا أيمن بن خريم⁣(⁣١٠) الأسديّ بالباب. قال: ائذن له، فدخل فاطمأنّ. فقال له الأمير: يا أيمن بن خريم، كم ترى ثمن هذا العبد؟ فنظر إليّ فقال: واللَّه لنعم الغادي في أثر المخاض⁣(⁣١١)، هذا أيها الأمير أرى ثمنه مائة دينار. قال: فإنّ له


(١) الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف.

(٢) أصله تتمشى حذفت إحدى تاءيه.

(٣) في «اللسان»: أعناء الناس وأفناؤهم أي أخلاطهم؛ يقال: هؤلاء من أفناء القبائل أي نزّاع من ها هنا وها هنا. ورجل من أفناء القبائل أي لا يدري من أي قبيلة هو. وقيل: إنما يقال قوم من أفناء القبائل ولا يقال رجل أه.

(٤) في ح، ر، ت: «مراتعه» بالتاء المثناة.

(٥) في ح، ر: «النجاد». والبحار هنا: المدن والقرى والأراضي الواسعة، الواحدة بحرة (بالفتح).

(٦) الدوافع: أسافل الميث حيث تدفع في الأودية، أسفل كل ميثاء دافعة، أو الدافعة: التلعة من مسايل الماء تدفع في تلعة أخرى إذا جرى في صبب وحدور من حدب، فترى له في مواضع قد انبسط شيئا واستدار ثم دفع في أخرى أسفل منها، فكل واحد من ذلك دافعة والجميع الدوافع، ومجرى ما بين الدافعتين مذنب.

(٧) كذا في ر. وفي سائر النسخ: «البحتري» بالحاء المهملة. وربما رجح الرواية الأولى أن البحتري سمي به كثيرا. وأما البحتري فنسبة إلى بحتر بن عنود الطائي جدّ أبي عبادة البحتري الشاعر المعروف.

(٨) الروى (بكسر ففتح): الماء الكثير المروي.

(٩) كذا في جميع النسخ. ولعله «فوارعه» بالفاء، بمعنى أعاليه وأصوله التي تفرعه.

(١٠) كذا في أ. وفي سائر النسخ: «خزيم» وهو تصحيف. وستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين من «الأغاني».

(١١) المخاض: الحوامل من النوق. وعبارة المحكم: التي أولادها في بطونها، واحدتها خلفة على غير قياس ولا واحد لها من لفظها، كما قيل لواحدة النساء امرأة، قال ابن سيده: وإنما سميت الحوامل مخاضا تفاؤلا بأنها تصير إلى ذلك. يريد: لنعم هذا العبد راعيا للإبل.