كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علي بن الجهم ونسبه

صفحة 405 - الجزء 10

  ترفضّ عن خرطومه الطويل ... صواعق من حجر السّجّيل⁣(⁣١)

  تترك كيد القوم في تضليل ... ما كان إلَّا مثل رجع القيل

  حتى انجلت عن حزبه المفلول ... وعن نساء حسّر ذهول

  صوارخ يعثرن في الذّيول ... ثواكل الأولاد والبعول

  لا والذي يعرف العقول ... من غير تحديد ولا تمثيل

  ما قام للَّه وللرسول ... بالدّين والدّنيا وبالتّنزيل ... خليفة كجعفر المأمول

  مدح المتوكل بقصيدة وأرسلها من حبسه مع علي بن يحيى:

  أخبرني علي بن العبّاس قال حدّثني محمد بن عبد السلام قال:

  رأيت مع عليّ بن يحيى المنجّم قصيدة عليّ بن الجهم يمدح المتوكَّل ويصف الهارونيّ⁣(⁣٢)، فقلت له: يا أبا الحسن، ما هذه القصيدة معك؟ فضحك وقال: قصيدة لعليّ بن الجهم سألني عرضها على أمير المؤمنين فعرضتها. فلمّا سمع قوله:

  /

  وقبّة ملك كأنّ النّجو ... م تصغي⁣(⁣٣) إليها بأسرارها

  تخرّ الوفود لها سجّدا ... إذا ما تجلَّت لأبصارها

  وفوّارة ثأرها في السماء ... فليست تقصّر عن ثارها

  تردّ على المزن ما أنزلت ... إلى الأرض من صوب مدرارها

  تهلَّل وجهه واستحسنها. فلما انتهيت إلى قوله:

  تبوّأت بعدك قعر السّجون ... وقد كنت أرثي لزوّارها

  غضب وتربّد وجهه وقال: هذا بما كسبت يداه، ولم يسمع تمام القصيدة.

  شاع مذهبه وشره فسافر لحلب فقتل في الطريق وقال شعرا قبل موته:

  أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثني الحسين بن موسى قال:

  لمّا شاع في الناس مذهب عليّ بن الجهم وشرّه وذكره كلّ أحد بسوء من صديقه وعدوّه تحاماه الناس، فخرج عن بغداد إلى الشأم، فاتّفقنا في قافلة إلى حلب. وخرج علينا نفر من الأعراب، فتسرّع إليهم قوم من المقاتلة، وخرج فيهم فقاتل قتالا شديدا وهزم الأعراب. فلمّا كان من غد خرج علينا منهم خلق كثير، فتسرّعت إليهم المقاتلة وخرج فيهم فأصابته طعنة قتلته، فجئنا به واحتملناه وهو ينزف دمه. فلما رآني بكى وجعل يوصيني بما يريد. فقلت له: ليس عليك بأس. فلما أمسينا قلق قلقا شديدا وأحسّ بالموت، فجعل يقول:

  /

  أزيد في الليل ليل ... أم سال بالصّبح سيل


(١) السجيل: حجارة كالمدر.

(٢) الهاروني: قصر قرب سامراء ينسب إلى هارون الواثق باللَّه. وهو على دجلة بينه وبين سامراء ميل.

(٣) يحتمل جدا أن تكون: «تفضى».