كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 407 - الجزء 10

١٠ - أخبار أبي دلامة ونسبه

  نسبه وهو مولى لبني أسد وكان فاسد الدين متهتكا:

  أبو دلامة زند بن الجون. وأكثر الناس يصحّف اسمه فيقول «زيد» بالياء، وذلك خطأ، وهو زند بالنون.

  وهو كوفيّ أسود، مولى لبني أسد. كان أبوه عبدا لرجل منهم يقال له فضافض فأعتقه. وأدرك آخر أيّام بني أميّة، ولم يكن له في أيّامهم نباهة، ونبغ في أيام بني العبّاس، وانقطع إلى أبي عبّاس وأبي جعفر المنصور والمهديّ، فكانوا يقدّمونه ويصلونه ويستطيبون مجالسته ونوادره. وقد كان انقطع إلى روح بن حاتم المهلَّبيّ أيضا في بعض أيّامه. ولم يصل إلى أحد من الشعراء ما وصل إلى أبي دلامة من المنصور خاصّة. وكان فاسد الدّين، رديء المذهب، مرتكبا للمحازم، مضيّعا للفروض، مجاهرا بذلك، وكان يعلم هذا منه ويعرف به، فيتجافى عنه للطف محلَّه.

  أول شعر عرف به:

  وكان أوّل ما حفظ من شعره وأسنيت / الجوائز له به قصيدة مدح بها أبا جعفر المنصور وذكر قتله أبا مسلم. فأخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح عن محمد بن القاسم عن أحمد بن حبيب قال: لمّا قال أبو دلامة قصيدته في قتل أبي مسلم التي يقول فيها:

  أبا مسلم خوّفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوّفتني الأسد الورد

  أبا مسلم ما غيّر اللَّه نعمة ... على عبده حتى يغيّرها العبد

  أنشدها المنصور في محفل من الناس، فقال له: احتكم. قال: عشرة آلاف درهم، فأمر له بها. فلمّا خلا به قال له: إيه! أما واللَّه لو تعدّيتها لقتلتك.

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن مسلم عن أبيه: سمّى لي أبو دلامة نفسه زندا (بالنون) ابن الجون. وأسلم مولاه فضافض، وله أيضا شعر، وكان في الصّحابة.

  أعفاه المنصور من لبس السواد والقلانس دون الناس:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلَّبيّ قال:

  كان أبو جعفر المنصور قد أمر أصحابه بلبس السّواد وقلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها، وأن يعلقوا السّيوف في المناطق، ويكتبوا على ظهورهم: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ أللهُ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزّيّ. فقال له أبو جعفر: ما حالك؟ قال: شرّ حال، وجهي في نصفي، وسيفي في استي، وكتاب اللَّه وراء ظهري، وقد صبغت بالسّواد ثيابي، فضحك منه وأعفاه وحده من ذلك، وقال له: إيّاك أن يسمع هذا منك أحد.

  ونسخت من كتاب لابن النطَّاح فذكر مثل هذه القصة سواء وزاد فيها: