كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 416 - الجزء 10

  ألزمه المنصور بالقيام شهر رمضان فكتب إلى ريطة شعرا يستشفع بها للمهدي:

  فبلغته الأبيات فقال: صدق! ما يضرّني ذلك، واللَّه لا يصلح هذا أبدا، فدعوه يعمل ما يشاء. وقال الهيثم في خبره: فقال له أبو جعفر: قد أعفيناك من هذه الحال، ولكن على ألَّا تدع القيام معنا في ليالي شهر رمضان فقد أظل⁣(⁣١). فقال: أفعل. قال: إنك إن تأخّرت لشرب الخمر علمت ذلك. وو اللَّه لئن فعلت لأحدّنّك. فقال أبو دلامة: البليّة في شهر أصلح منها في طول الدهر، سمعا وطاعة. فلمّا حضر شهر رمضان لزم المسجد. وكان المهديّ يبعث إليه في كل ليلة حرسيّا يجيء به؛ فشقّ ذلك عليه، وفزع إلى الخيزران وأبي عبيد⁣(⁣٢) اللَّه وكلّ من كان يلوذ بالمهديّ ليشفعوا له في الإعفاء / من القيام، فلم يجبهم. فقال له أبو عبيد اللَّه: الدّالّ على الخير كفاعله، فكيف شكرك؟ قال: أتمّ شكر. قال: عليك بريطة⁣(⁣٣) فإنّه لا يخالفها. قال: صدقت واللَّه، / ثم رفع إليها رقعة يقول فيها:

  أبلغا ريطة أنّي ... كنت عبدا لأبيها

  فمضى يرحمه الل ... هـ وأوصى بي إليها

  وأراها نسيتني ... مثل نسيان أخيها

  جاء شهر الصّوم يمشي ... مشية ما أشتهيها

  قائدا لي ليلة القد ... ركأنّي أبتغيها

  تنطح القبلة شهرا ... جبهتي لا تأتليها

  ولقد عشت زمانا ... في فيافيّ وجيها

  في ليال من شتاء ... كنت شيخا أصطليها

  قاعدا أوقد نارا ... لضباب أشتويها

  وصبوح وغبوق ... في علاب⁣(⁣٤) أحتسيها

  ما أبالي ليلة القد ... ر ولا تسمعنيها⁣(⁣٥)

  فاطلبي لي فرجا من ... ها وأجري لك فيها

  فلمّا قرأت الرّقعة ضحكت وأرسلت إليه: إصطبر حتى تمضي ليلة القدر. فكتب إليها: إني لم أسألك أن تكلَّميه في إعفائي عاما قابلا؛ وإذا مضت ليلة القدر فقد فني الشّهر. وكتب تحتها أبياتا:

  /

  خافي إلهك في نفس قد احتضرت ... قامت قيامتها بين المصلَّينا


(١) أظل: غشى وأشرف وأقبل.

(٢) هو أبو عبيد اللَّه معاوية بن عبيد اللَّه بن يسار الأشعري الكاتب الوزير. كان من رجالات المنصور ثم المهدي. عزله المهدي عن الوزارة ثم جعله على ديوان الرسائل، ثم عزله عنه سنة ١٦٧ هـ.

(٣) ريطة: هي ابنة الخليفة أبي العباس السفاح وزوجة المهدي.

(٤) العلاب: جمع علبة وهي قدح ضخم من جلود الإبل أو هي قدح من خشب.

(٥) لا هنا نافية، وهو خبر يراد به النهي.