كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 417 - الجزء 10

  ما ليلة القدر من همّي فأطلبها ... إنّي أخاف المنايا قبل عشرينا

  يا ليلة القدر قد كسّرت أرجلنا ... يا ليلة القدر حقّا ما تمنّينا!؟

  لا بارك اللَّه في خير أؤمّله ... في ليلة بعد ما قمنا ثلاثينا

  فلما قرأت الأبيات ضحكت، ودخلت إلى المهديّ فشفعت له إليه، وأنشدته الشعرين، فضحك حتى استلقى، ودعا به وريطة معه في الحجلة⁣(⁣١) فدخل؛ فأخرج رأسه إليه وقال: قد شفّعنا ريطة فيك، وأمرنا لك بسبعة آلاف درهم. فقال: أمّا شفاعة سيّدتي فيّ حتى أعفيتني فأعفاها اللَّه من النار. وأمّا السبعة الآلاف فما أعجبني ما فعلته؛ إمّا أن تتمّها بثلاثة آلاف فتصير عشرة، أو تنقصني منها ألفين فتصير خمسة آلاف، فإنّي لا أحسن حساب السبعة. فقال: قد جعلتها خمسة. قال: أعيذك باللَّه أن تختار أدنى الحالين وأنت أنت. فعبث به المهديّ ساعة ثم تكلَّمت فيه ريطة فأتمّها له عشرة آلاف درهم.

  أنشد المهدي شعره في نخاس فضحك منه:

  أخبرني الحسين بن عليّ عن حمّاد عن أبيه قال:

  مرّ أبو دلامة بنخّاس يبيع الرقيق، فرأى عنده منهنّ من كل شيء حسن، فانصرف مهموما، فدخل إلى المهدي فأنشده:

  إن كنت تبغي العيش حلوا صافيا ... فالشعر أعزبه وكن نخّاسا

  تنل الطَّرائف من ظراف نهّد ... يحدثن كلّ عشيّة أعراسا

  / والربح فيما بين ذلك راهن ... سمحا بيعك كنت أو مكَّاسا⁣(⁣٢)

  دارت على الشعراء حرفة نوبة⁣(⁣٣) ... فتجرّعوا من بعد كأس كأسا

  / وتسربلوا قمص الكساد فحاولوا ... بالنّخس كسبا يذهب الإفلاسا

  فجعل المهديّ يضحك منه.

  لفق رؤيا للمنصور وأخذ منه ثيابا:

  نسخت من كتاب ابن النطَّاح قال:

  دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده:

  رأيتك في المنام كسوت جلدي ... ثيابا جمّة وقضيت ديني

  فكان بنفسجيّ الخزّ فيها ... وساج⁣(⁣٤) ناعم فأتمّ زيني


(١) الحجلة: بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.

(٢) مكس في البيع يمكس (من باب ضرب): نقص الثمن. والمراد هنا المشاحة في البيع والشراء.

(٣) لعل صوابها: «نوبة حرفة».

(٤) الساج: الطيلسان الأخضر وقيل الأسود وقيل المقور ينسج كذلك، وفي الأساس: «لبسوا السيجان وهي الطيالسة المدوّرة الواسعة».