كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 431 - الجزء 10

  شديد الأصل ينبذ⁣(⁣١) حالباه ... يئنّ كأنّه رجل سقيم

  وهذا الخبر يروى عن الأقيشر أيضا.

  قال شعرا في الجنيد النخاس يذمه ويمدح جارية له:

  قال إسحاق وحدّثني أبي:

  أنّ أبا دلامة كان كثير الزيارة للجنيد النخّاس، وكان يتعشّق جارية له ويبغضه. فجاءه يوما فقال: أخرج لي فلانة. فقال: إلى متى تخرج إليك ولست بمشتر! / قال: فإن لم أكن مشتريا فإني أخ يمدح ويطرى. قال: ما أنا بمخرجها إليك أو تقول فيها شعرا. قال: فاحلف بعتقها أن تروّيها إيّاه وتأمرها بإنشاده من أتاك يعترضها ولا تحجبها. فحلف لا يحجبها. فقال أبو دلامة:

  إنّي لأحسب أن سأمسي ميّتا ... أو سوف أصبح ثم لا أمسي

  من حبّ جارية الجنيد وبغضه ... وكلاهما قاض على نفسي

  فكلامها يشفى به سقمي ... فإذا تكلَّم عاد لي نكسي

  عاد إسحاق الأزرق وعنده طبيبه فقال شعرا ينصحه فيه بمجانبة الطبيب:

  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:

  دخل أبو دلامة على إسحاق الأزرق يعوده، وكان إسحاق قد مرض مرضا شديدا، ثم تعافى منه وأفاق، فكان من ذلك ضعيفا، وعند إسحاق طبيب يصف له أدوية تقوّي بدنه. فقال أبو دلامة للطبيب: يا بن الكافرة! أتصف هذه الأدوية لرجل أضعفه المرض! ما أردت واللَّه إلَّا قتله. ثم التفت إلى إسحاق فقال: اسمع أيها الأمير منّي. قال: هات ما عندك يا أبا دلامة. فأنشأ يقول:

  نحّ عنك الطبيب واسمع لنعتي ... إنّني ناصح من النّصّاح

  ذو تجاريب قد تقلَّبت في الصحّ ... ة دهرا وفي السّقام المتاح

  غاد هذا الكباب كلّ صباح ... من متون الفتيّة السّحّاح⁣(⁣٢)

  / فإذا ما عطشت فاشرب ثلاثا ... من عتيق في الشمّ كالتّفّاح

  ثم عند المساء فاعكف على ذا ... وعلى ذا بأعظم الأقداح

  فتقوّي ذا الضعف منك وتلفى ... عن⁣(⁣٣) ليال أصحّ هذي الصّحاح

  ذا شفاء ودع مقالة هذا ... ناك ذا أمّه بأير رباح⁣(⁣٤)


يروّيه الشراب فيزدهيه ... وينفخ فيه شيطان رجيم

(١) ينبذ: ينبض.

(٢) السحاح: السمان، واحدها ساح وساحة، بالحاء المشدّدة.

(٤) عن ليال أي بعد ليال.

(٤) رباح: القرد.