أخبار أبي دلامة ونسبه
  أبيه بأحوج منّي إلى بقائه، وهذا أمر لم تقع به تجربة منّا، ولا جرت بمثله عادة لنا، وما أشكّ في معرفته بذلك.
  فليبدأ بنفسه فليخصها؛ فإذا عوفي ورأيناه ذلك قد أثّر عليه أثرا محمودا استعمله أبوه. فنعر(١) أبوه وجعل يضحك به، وخجل ابنه، وانصرف القوم يضحكون ويعجبون من خبثهم جميعا واتّفاقهم في ذلك المذهب.
  أمر المهديّ مروانيا بقتل خارجي فنبا السيف في يده فقال هو في ذلك شعرا:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا ميمون بن هارون عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل عن أبيه قال:
  كان عند المهديّ رجل من بني مروان، فدخل إليه وسلَّم عليه. فأتى المهديّ بعلج(٢) فأمر المروانيّ بضرب عنقه، فأخذ السيف وقام فضربه فنبا السيف عنه، فرمى به المروانيّ وقال: لو كان من سيوفنا ما نبا. فسمع المهديّ الكلام فغاظه حتى تغيّر لونه وبان فيه. فقام يقطين(٣) فأخذ السيف وحسر عن ذراعيه ثم ضرب العلج فرمى برأسه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنّ هذه سيوف الطاعة لا تعمل إلَّا في أيدي الأولياء ولا تعمل في أيدي أهل المعصية. ثم قام أبو دلامة فقال: يا أمير المؤمنين، قد حضرني بيتان أفأقولهما؟ قال: قل. فأنشده:
  أيّهذا الإمام سيفك ماض ... وبكفّ الوليّ غير كهام(٤)
  فإذا ما نبا بكفّ علمنا ... أنّها كفّ مبغض للإمام
  قال: فسرّي عن المهديّ وقام من مجلسه، وأمر حجّابه بقتل الرجل المروانيّ فقتل.
(١) نعر: صاح وصوّت بخيشومه.
(٢) العلج: الرجل من كفار العجم.
(٣) يقطين: هو يقطين بن موسى البغدادي. (انظر الكلام عليه في الحاشية رقم ٢ ص ٢٨٥ ج ٦ من كتاب «الأغاني» من هذه الطبعة).
(٤) الكهام من السيوف: الكليل الذي لا يقطع.