كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب زهير وأخباره

صفحة 444 - الجزء 10

  فتركتها⁣(⁣١) أنا - ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:

  /

  ولو أنّ حمدا يخلد الناس أخلدوا ... ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد

  قلت: ذاك زهير. قال: فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام وكان يتجنّب وحشيّ الشعر، ولم يمدح أحدا إلَّا بما فيه. قال الأصمعيّ: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه⁣(⁣٢). ويقال: يتّبع حوشيّ الكلام، ووحشيّ الكلام، والمعنى واحد.

  كان قدامة بن موسى يقدّمه على سائر الشعراء:

  أخبرنا أبو خليفة قال قال ابن سلَّام وأخبرني عمر بن موسى الجمحيّ عن أخيه قدامة بن موسى - وكان من أهل العلم -: أنه كان يقدّم زهيرا. قلت: فأيّ شيء كان أعجب إليه؟ قال: الذي يقول فيه:

  قد جعل المبتغون الخير من هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا

  قال جرير هو أشعر أهل الجاهلية:

  قال ابن سلَّام وأخبرني أبو قيس العنبريّ - ولم أر بدويّا يفي به - عن عكرمة بن جرير قال:

  قلت لأبي: يا أبت من أشعر الناس؟ قال: أعن الجاهلية تسألني أم عن الإسلام؟ قلت: ما أردت إلَّا الإسلام. فإذا ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها. قال: زهير أشعر أهلها. قلت: فالإسلام؟ قال: الفرزدق نبعة الشعر. / قلت: فالأخطل؟ قال: يجيد مدح الملوك ويصيب وصف الخمر. قلت فما تركت لنفسك؟ قال:

  نحرت الشعر نحرا.

  قال عنه الأحنف بن قيس هو أشعر الشعراء:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائنيّ عن عيسى بن يزيد قال:

  سأل معاوية الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء، فقال: زهير. قال: وكيف؟ قال: ألقى عن المادحين فضول الكلام. قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله:

  فما يك من خير أتوه فإنّما ... توارثه آباء آبائهم قبل

  مدح عمر بن الخطاب شعره وروى منه:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللَّه بن عمرو القيسيّ قال حدّثنا خارجة بن عبد اللَّه بن سليمان عن زيد بن ثابت عن عبد اللَّه بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عبّاس، قال: وحدّثنيه غيره وهو أتمّ من حديثه، قال قال ابن عبّاس:

  خرجت مع عمر في أوّل غزاة غزاها. فقال لي ذات ليلة: يا بن عبّاس أنشدني لشاعر الشعراء. قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك؟ قال: لأنه لا يتّبع حوشي الكلام، ولا يعاظل


(١) ذكرت هذه القصة مفصلة في الطبري ق ١ ص ٢٧٦٨ - ٢٧٧١ فراجعه.

(٢) يعاظل الكلام: يحمل بعضه على بعض ويتكلم بالرجيع من القول ويكرر اللفظ والمعنى. أو يعقده ويوالي بعضه على بعض. وكل شيء ركب شيئا فقد عاظله. («اللسان» في مادة عظل).