أخبار النابغة ونسبه
  أجمعين، وببابه وفد غطفان فقال: يا معشر غطفان، أيّ شعرائكم الذي يقول:
  حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء اللَّه للمرء مذهب
  / لئن كنت قد بلَّغت عنّي خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
  ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب
  قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين. قال: فأيّكم الذي يقول:
  فإنك كاللَّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
  خطاطيف جحن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
  قالوا: النابغة. قال: فأيّكم الذي يقول:
  إلى اين محرّق أعملت نفسي ... وراحلتي وقد هدت(١) العيون
  أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظنّ بي الظَّنون
  فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون
  قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين. قال: هذا أشعر شعرائكم. قال: ثم أقبل على الأخطل فقال: أتحبّ أنّ لك قياضا(٢) بشعرك شعر أحد من العرب أو(٣) تحبّ أنك قلته؟ قال: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، إلَّا أنّي وددت أن كنت قلت أبياتا قالها رجل منّا، كان واللَّه ما علمت مغدف(٤) القناع قليل السّماع قصير الذّراع. قال: وما قال؟ فأنشد قصيدته:
  إنّ محيّوك فاسلم أيّها الطَّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطَّيل(٥)
  ليس الجديد به(٦) تبقى بشاشته ... إلا قليلا ولا ذو خلَّة يصل
  والعيش لا عيش إلَّا ما تقرّ به ... عين ولا حال إلَّا سوف تنتقل
  إن ترجعي من أبي عثمان منجحة(٧) ... فقد يهون على المستنجح العمل
  والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي ولأمّ المخطئ الهبل
  قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
  حتى أتى على آخرها. قال الشعبيّ: فقلت: قد قال القطاميّ أفضل من هذا. قال: وما قال؟ قلت قال:
(١) أصله «هدأت» بالهمز، فسهلت الهمزة ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
(٢) كذا في «ج» و «أمالي السيد المرتضى». وفي سائر الأصول: «نياطا» وهو تحريف.
(٣) كذا في «أمالي السيد المرتضى». وفي الأصول: «أم تحب».
(٤) كذا في «أمالي السيد المرتضى». وقد وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة؛ ففي بعضها: «مفرق القناع»، وفي بعضها: «مغرف القناع». وإغداف القناع: إرساله على الوجه.
(٥) الطلل: ما شخص من آثار الديار. والطيل: جمع طيلة وهي الدهر.
(٦) الضمير في «به» للدهر في بيت قبل هذا البيت وهو:
كانت منازل منا قد نحل بها ... حتى تغير دهر خائن خبل
(٧) الخطاب لناقته. ومنجحة: ظافرة. والمستنجح: طالب النجاح.