أخبار النابغة ونسبه
  الأخطل: من أشعر النّاس؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين. فقلت لعبد الملك: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم وقال:
  هذا الأخطل. فقلت في نفسي: خذها ثنتين على وافد أهل العراق، فقلت: أشعر منك الذي يقول:
  /
  هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التّمام
  للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام
  خمسة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب ماء الغمام
  - والشعر للنابغة - فقال الأخطل: إنّ أمير المؤمنين إنما سألني عن أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهليّة لكنت حريّا أن أقول كما قلت أو شبيها به. فقلت في نفسي: خذها ثلاثا على وافد أهل العراق. (يعني أنه أخطأ ثلاث مرات). ونسخت هذا الخبر من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز ولم أسمعه من / أحد، ووجدته أتمّ مما رأيت في كل موضع، فأتيت به في هذا الموضع وإن لم يكن من خاصّ خبر النّابغة لأنه أليق به. قال أحمد بن الحارث الخرّاز حدّثني المدائنيّ عن عبد الملك بن مسلم قال:
  كتب عبد الملك إلى الحجّاج: إنه ليس شيء من لذّة الدنيا إلَّا وقد أصبت منه، ولم يكن عندي شيء ألذّه إلا مناقلة الإخوان للحديث. وقبلك عامر الشّعبيّ، فابعث به إليّ يحدّثني. فدعا الحجّاج الشغبيّ فجهّزه وبعث به إليه وقرّظه وأطراه في كتابه. فخرج الشعبيّ، حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب: استأذن لي. قال: من أنت؟
  قال: أنا عامر الشعبيّ. قال: حيّاك اللَّه! ثم نهض فأجلسني على كرسيّه. فلم يلبث أن خرج إليّ فقال: ادخل يرحمك اللَّه. فدخلت، فإذا عبد الملك جالس على كرسيّ وبين يديه رجل أبيض الرأس واللَّحية على كرسيّ، فسلَّمت فردّ عليّ السلام، ثم أومأ إليّ بقضيبه فقعدت عن يساره، ثم أقبل على الذي بين يديه فقال: ويحك! من أشعر النّاس؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين. قال الشعبيّ. فأظلم عليّ ما بيني وبين عبد الملك، فلم أصبر أن قلت: ومن هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر النّاس؟! - قال: فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني عن حالي - قال: هذا الأخطل. فقلت: يا أخطل! أشعر واللَّه منك الذي يقول:
  هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التّمام
  للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام
  ثم لهند ولهند فقد ... أسرع في الخيرات منه إمام
  خمسة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب صوب الغمام
  فردّدتها حتى حفظها عبد الملك. فقال الأخطل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا الشعبيّ. قال فقال: صدق واللَّه يا أمير المؤمنين، النابغة واللَّه أشعر منّي. فقال الشعبيّ: ثم أقبل عليّ فقال: كيف أنت يا شعبيّ؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين فلا زلت به. ثم ذهبت لأضع معاذيري لما كان من خلافي(١) على الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث؛ فقال: مه(٢)! إنّا لا نحتاج إلى هذا المنطق ولا تراه منّا في قول ولا فعل حتى تفارقنا. ثم أقبل عليّ فقال: ما تقول في النّابغة؟ قال قلت: يا أمير المؤمنين، قد فضّله عمر بن الخطَّاب في غير موطن على الشعراء
(١) كذا في «أمالي السيد المرتضى» (ج ٣ ص ١٠٢ الطبعة الأولى بمطبعة السعادة بالقاهرة). وفي «الأصول»: ... خلافي عن الحجاج».
(٢) مه: اسم فعل بمعنى أكفف.