كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحارث بن حلزة ونسبه

صفحة 30 - الجزء 11

  وضح⁣(⁣١)، فقيل لعمرو بن هند: إنّ به وضحا، فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر. فلمّا تكلَّم أعجب بمنطقه، فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه حتى أمر بطرح السّتر وأقعده معه قريبا منه لإعجابه به. هذه رواية أبي عمرو. وذكر الأصمعيّ نحوا من ذلك وقال: أخذ منهم ثمانين غلاما من كل حيّ وأصلح بينهم بذي المجاز⁣(⁣٢)، وذكر أنّ الغلمان من بني تغلب كانوا معه في حرب فأصيبوا. وقال في خبره: إنّ الحارث بن حلَّزة لمّا ارتجل هذه القصيدة بين يدي عمرو قام عمرو بن كلثوم فارتجل قصيدته:

  قفي قبل التفرّق يا ظعينا

  وغير الأصمعيّ ينكر ذلك وينكر أنه السبب في قول عمرو بن كلثوم.

  / وذكر ابن الكلبيّ عن أبيه أنّ الصلح كان بين بكر وتغلب عند المنذر بن ماء السماء، وكان قد شرط: أيّ رجل وجد قتيلا في دار قوم فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلَّتين قيس ما بينهما فينظر أقربهما إليه فتضمن ذلك القتيل. وكان الذي ولي ذلك واحتمى لبني تغلب قيس بن شراحيل بن مرة بن همّام. ثم إنّ المنذر أخذ من الحيّين أشرافهم وأعلامهم فبعث بهم إلى مكة، فشرط بعضهم على بعض وتواثقوا على ألَّا يبقي واحد منهم لصاحبه غائلة ولا يطلبه بشيء مما كان من الآخر من الدّماء. وبعث المنذر معهم رجلا من بني تميم يقال له الغلَّاق. وفي ذلك يقول الحارث بن حلَّزة:

  فهلَّا سعيت لصلح الصّديق ... كصلح ابن مارية الأقصم⁣(⁣٣)

  / وقيس تدارك بكر العراق ... وتغلب من شرّها الأعظم

  وبيت شراحيل في وائل ... مكان الثّريا من الأنجم

  فأصلح ما أفسدوا بينهم ... كذلك فعل الفتى الأكرم

  - ابن مارية هو قيس بن شراحيل. ومارية أمّه بنت الصبّاح بن شيبان من بني هند - فلبثوا كذلك ما شاء اللَّه، وقد أخذ المنذر من الفريقين رهنا بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحقّ صاحبه أقاد من الرّهن. فسرّح النّعمان بن المنذر ركبا من بني تغلب إلى جبل طيّئ في أمر من أمره، فنزلوا بالطرفة⁣(⁣٤) وهي لبنى شيبان وتيم اللات. فذكروا أنهم أجلوهم عن الماء وحملوهم على المفازة، فمات القوم عطشا. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر، وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدّماء وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، / قذفتمونا بالعضيهة⁣(⁣٥) وسمّعتم الناس بها، وهتكتم الحجاب والسّتر بادّعائكم الباطل علينا قد سقيناهم إذ وردوا، وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلَّوا!. ويصدّق ذلك قول الحارث بن حلَّزة:

  لم يغرّوكم غرورا ولكن ... يرفع⁣(⁣٦) الآل جرمهم والضّحاء


(١) الوضح هنا: البرص.

(٢) ذو المجاز: «موضع سوق من أسواق العرب بعرفة.

(٣) الأقصم: المكسور الثنية من النصف.

(٤) لم نجد هذا الاسم في «كتب البلدان».

(٥) العضيهة: الإفك والبهتان والقالة القبيحة.

(٦) في «الأصول»: «يدفع» بالدال، والتصويب من «المعلقات». والآل: السراب، وهو ما يرى كالماء نهارا بين السماء والأرض يرفع الشخوص. وقيل: الآل ما كان في الضحى والعشي، والسراب ما كان نصف النهار. والضحاء: ارتفاع النهار. يقول: ما أتوكم على =