كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أوس بن حجر وشئ من أخباره

صفحة 48 - الجزء 11

  مكث ساعة فقال: إني لأجد ريح النسيم، فما ترين؟ قالت: أراها كما قال الشاعر:

  دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح

  / كأنما بين أعلاه وأسفله ... ريط متشّرة أو ضوء مصباح

  فمن بمحفله كمن بنجوته ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح

  فقال: انجي لا أبالك! فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء عليهما.

  البيت الثاني من هذه الأبيات ليس من رواية ابن حبيب ولا الأصمعيّ.

  معنى قول الجارية «كأنها بطن حمار أصحر»: تعني أنه أبيض فيه حمرة. والصحرة لون كذلك. وقوله: «فمن بمحفله كمن بنجوته»: يعني من هو بحيث احتفل السيل - واحتفال كل شيء معظمه - كمن في نجوته. وقد روي «بمحفشه»، وهما واحد، ومعناهما مجرى معظم السيل. يقول: فمن هو في هذا الموضع منه كمن بنجوته (أي ناحية عنه) سواء لكثرة المطر. والقرواح: الفضاء؛ / يقال قرواح وقرياح. ويقال في معنى المحفش: حفشت الأودية إذا سالت، وتحفّشت المرأة على ولدها إذا قامت عليه.

  كان يسير ليلا فصرعته ناقته، فأكرمه فضالة بن كلدة، فمدحه:

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني عليّ بن أبي عامر السّهميّ المصريّ قال حدّثني أبو يوسف الأصبهانيّ قال حدّثني أبو محمد الباهليّ عن الأصمعيّ، وذكر هذا الخبر أيضا التّوّزيّ عن أبي عبيدة، فجمعت روايتيهما، قالا:

  كان أوس بن حجر غزلا مغرما بالنساء؛ فخرج في سفر، حتى إذا كان بأرض بني أسد بين شرج وناظرة⁣(⁣١)، فبينا هو يسير ظلاما إذ جالت به ناقته فصرعته فاندقّت فخذاه فبات مكانه؛ حتى إذا أصبح غدا جواري الحيّ يجتنين الكمأة وغيرها من نبات الأرض والناس في ربيع. فبينا هنّ كذلك إذ بصرن بناقته تجول وقد علق زمامها في شجرة وأبصرنه ملقى، ففزعن فهربن. فدعا بجارية منهن فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة، وكانت أصغرهن؛ فأعطاها حجرا وقال لها: اذهبي إلى أبيك فقولي له: ابن هذا يقرئك السلام. فأخبرته فقال: يا بنيّة، لقد أتيت أباك بمدح طويل أو هجاء طويل. ثم احتمل هو وأهله حتى بنى عليه بيته حيث صرع وقال: واللَّه لا أتحوّل أبدا حتى تبرأ؛ وكانت حليمة تقوم عليه حتى استقلّ. فقال أوس بن حجر في ذلك:

  جدلت⁣(⁣٢) على ليلة ساهره ... بصحراء شرج إلى ناظره

  تزاد لياليّ في طولها ... فليست بطلق ولا ساكره⁣(⁣٣)

  أنوء برجل بها ذهنها⁣(⁣٤) ... وأعيت بها أختها الغابرة


(١) شرج وناظره: موضعان.

(٢) الجدل: الصرع؛ يقال: جدله وجدّله تجديلا فانجدل وتجدّل. وفي «الأصول» و «الديوان»: «خذلت» وظاهر أنه تصحيف.

(٣) ليلة طلق وطلقة: طيبة لا خرّ فيها ولا برد ولا مطر ولا قر؛ ويقال: يوم طلق. وليلة ساكرة: ساكنة الريح؛ يقال: سكرت الريح تسكر (على وزان قعد) سكورا وسكرانا إذا سكنت بعد الهبوب.

(٤) كذا في «اللسان» (في مادة ذهن). والذهن: القوّة. والغابرة: الباقية. وفي «الأصول» و «الديوان»: ... دهيها ... العاثره.