كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب

صفحة 80 - الجزء 11

  فاسقي بجيرا من رحيق مدامة ... والسقي الخفير وطهّري أثوابه

  جاءت حنيفة قبل جيئة يشكر ... كلَّا وجدنا أوفياء⁣(⁣١) ذؤابه

  مروره برجل من بني أسد:

  وزعم أبو عبيدة أنّ الحارث لمّا هزمت بنو تميم يوم رحرحان مرّ برجل من بني أسد بن خزيمة؛ فقال: يا حار إنك مشئوم وقد فعلت ما فعلت، فانظر إذا كنت بمكان كذا وكذا من برقة رحرحان فإنّ لي به جملا أحمر فلا تعرض له. وإنما يعرّض / له ويكره أن يصرّح فيبلغ الأسود فيأخذه. فلمّا كان الحارث بذلك المكان أخذ الجمل فنجا عليه، وإذا هو لا يساير من أمامه ولا يسبق من ورائه. فبلغ ذلك الأسود، فأخذ الأسود الأسديّ وناسا من قومه.

  وبلغ ذلك الحارث بن ظالم فقال كأنه يهجوهم لئلا يتّهمهم الأسود:

  أراني اللَّه بالنّعم المندّى⁣(⁣٢) ... ببرقة رحرحان وقد أراني

  لحيّ الأنكدين وحيّ عبس ... وحيّ نعامة وبني غدان

  لحوقه بمكة وانتماؤه إلى قريش:

  قال: فلمّا بلغ قوله الأسود خلَّى عنهم. ولحق الحارث بمكة وانتمى إلى قريش؛ وذلك قوله:

  وما⁣(⁣٣) قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا

  وقومي إن سألت بنو لؤيّ ... بمكَّة علَّموا مضر الضّرابا

  قال: فزوّده وحمله رواحة الجمحيّ على ناقة؛ فذلك قوله:

  وهشّ رواحة الجمحيّ رحلي ... بناجية⁣(⁣٤) ولم يطلب ثوابا

  كأنّ الرّحل والأنساع منها ... وميثرتي⁣(⁣٥) كسين أقبّ جابا

  لحوقه بالشام عند ملك من غسان ومقتله:

  - يروى «حشّ» و «هشّ» وهما لغتان. وحشّ سوّى - قال: فلحق الحارث بالشأم بملك من ملوك غسّان - يقال


(١) في «ب، س»: «أربياء ذؤابة». وفي «الأصول المخطوطة»: «أرفياء». ولعله يريد أنه وجد كلا الفريقين أوفياء له لأنهم أجاروه، وهم سادة في قومهم. يقال فلان ذؤابة قومه وهم ذؤابة قومهم وذوائبهم إذا كانوا سادتهم وأشرافهم.

(٢) كذا في «س» و «خزانة الأدب» (ج ١ ص ٢٣٦)، وقد ورد هذا البيت فيها أول أبيات سنة منسوبة لمالك بن نويرة، وكذلك صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وتندية الإبل: أن يوردها الرجل الماء حتى تشرب قليلا ثم يجيء حتى ترعى ساعة ثم يردها إلى الماء. وفي «سائر الأصول»: «المبدي» بالياء. يقال: أبديت الإبل وبديتها (بتشديد الدال) إذا أبرزتها إلى موضع الكلأ.

(٣) في «الأصول»: فيما سيأتي (صفحة ١٢٥) و «ديوان المفضليات» (ص ٦١٩) و «الشواهد الكبرى» للعيني: «فما قومي» بالفاء.

والشعر: جمع أشعر؛ يقال رجل أشعر إذا كان كثير شعر الجسد. وقد استشهد النحويون بهذا البيت على نصب «الرقاب» بعد الصفة المشبهة على التشبيه بالمفعول به، أو أنه تمييز على مذهب من يجيز في التمييز أن يكون معرفة.

(٤) الناجية: الناقة السريعة تنجو بمن ركبها.

(٥) الأنساع: جمع نسع (بالكسر) وهو سير مضفور تشدّ به الرحال. والميثرة هنا: وطاء محشوّ يوضع على رحل البعير تحت الراكب.

والأقب: الضامر. والجاب (يهمز ولا يهمز): القوي الغليظ. يريد (كأن رحله وأدواته وضعت على عير وحشي أو ثور وحشي لقوّة الناقة التي رحل عليها وسرعتها.