كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب

صفحة 79 - الجزء 11

  بإغلاق⁣(⁣١) / بكرة وعشرين من الشاء - ثم انطلقوا به إلى بلادهم. فقالوا له: من أنت؟ وما حالك؟ فلم يخبرهم.

  فضربوه ليموت فأبى. قال: وهو قريب من اليمامة. قال: فبينما⁣(⁣٢) هم على تلك الحال وهم يريغونه ضربا مرّة وتهدّدا أخرى ولينا مرّة ليخبرهم بحاله وهو يأبى، حتى ملَّوه، فتركوه في قيده حتى انفلت ليلا، فتوجّه نحو اليمامة وهي قريب منه، فلقي غلمة يلعبون، فنظر إلى غلام منهم أخلقهم للخير عنده فقال: من أنت؟ قال: أنا بجير بن أبجر العجليّ، وله ذؤابة يومئذ وأمّه امرأة قتادة بن مسلمة الحنفيّ. فأتاه وأخذ بحقويه والتزمه وقال: أنا لك جار.

  فيقال: إنّ عجلا أجارته في هذا اليوم لا في اليوم الأوّل الذي ذكرناه في أوّل الحديث. فأتى الغلام أباه فأخبره وأجاره وقال: ائت عمّك قتادة بن مسلمة الحنفيّ فأخبره؛ فأتى قتادة فأخبره فأجاره.

  قال أبو عبيدة: وأمّا فراس⁣(⁣٣) فزعم أنه أفلت من بني قيس فأقبل شدّا حتى أتى اليمامة، واتّبعوه حتى انتهى إلى نادي بني حنيفة وفيه قتادة بن مسلمة. فلمّا رأوه يهوي نحوهم قال: إنّ هذا لخائف، وبصر بالقوم خلفه فصاح به: الحصن الحصن! فأقبل حتى ولج الحصن. وجاءت بنو قيس، فحال دونه وقال: لو أخذتموه قبل دخوله الحصن لأسلمته إليكم، فأمّا إذ تحرّم بي فلا سبيل إليه. قال فقالوا: أسيرنا اشتريناه بأموالنا، وما هو لك بجار ولا تعرفه، وإنما أتاك هاربا من أيدينا، ونحن قومك وجيرنك. قال: أمّا أن أسلمه أبدا فلا يكون ذلك، ولكن اختاروا منّي: إن شئتم فانظروا ما اشتريتموه به فخذوه منّي، وإن شئتم أعطيته سلاحا كاملا وحملته على فرس ودعوه حتى يقطع الوادي بيني وبينه ثم دونكموه. فقالوا: رضينا. فقال ذلك للحارث فقال نعم. فألبسه سلاحا كاملا وحمله على فرسه وقال له: إن أفلَّتهم فردّ إليّ الفرس والسلاح لك. قال: فخرج، وتركوه حتى جاز الوادي، / ثم اتّبعوه ليأخذوه، فلم يزل يقاتلهم ويطاردهم حتى ورد بلاد بني قشير، وهو قريب من اليمامة أيضا بينهما أقلّ من يوم. فلمّا صار إلى بلاد بني قشير يئسوا منه فرجعوا عنه. وعرفه بنو قشير فانطووا عليه وأكرموه. وردّ إلى قتادة بن مسلمة فرسه وأرسل إليه بمائة من الإبل، لا أدري أأعطاه إيّاها بنو قشير من أموالهم ليكافئ بها قتادة أم كانت له، لم يفسّر أبو عبيدة أمرها ولا سألته عنها. فقال الحارث بن ظالم في ابني حلاكة وهما من الذين باعوه من القيسيّين وفيما كان من أمره - قال أبو عبيدة: ويقال أسره راعيان من بني هزّان يقال لهما ابنا حلاكة -:

  أبلغ لديك بني قيس مغلغلة ... أنّي أقسّم في هزّان أرباعا

  ابنا حلاكة باعاني بلا ثمن ... وباع ذو آل هزان بما باعا

  يا بني حلاكة لمّا تأخذا ثمني ... حتّى أقسّم أفراسا وأدراعا

  قتادة الخير نالتني حذيّته⁣(⁣٤) ... وكان قدما إلى الخيرات طلَّاعا

  وقال في ذلك أيضا:

  /

  همّت عكابة أن تضيم لجيما⁣(⁣٥) ... فأبت لجيم ما تقول عكابه


(١) أغلاق الرهن: إيجابه للمرتهن إذا لم يفك. والمراد هنا إعطاء من باعه بكرة وعشرين من الشاء.

(٢) جواب «بينما» في هذه الجملة لم يصرح به.

(٣) في «الأصول» هنا: «فراش» بالشين المعجمة وهو تصحيف. وفراس الذي يروى عنه أبو عبيدة هو أبو المختار فراس بن خندق القيسي.

(٤) الحذية: العطية.

(٥) لجيم: اسم القبيلة بضم اللام وفتح الجيم وسكون الياء؛ وبهذا لا يتزن الشعر. فلعل الشاعر تصرف فيه فشددد الياء.