مقتل عمليق وسببه
  جديسا ما سمعوا من قولها فقالوا: نطيعك، ولكنّ القوم أكثر وأحمى وأقوى. قال فإنّي أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم له جميعا. فإذا جاؤوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم عارّون(١) فأهمدناهم بها. قالوا: نفعل.
  فصنع طعاما كثيرا وخرج به إلى ظهر بلدهم، ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل بيته، فأجابه(٢) إلى ذلك وخرج مع أهله يرفلون في الحلي والحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام، أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشدّ الأسود على عمليق فقتله، وكلّ رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم. فلمّا فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة فلم يدعوا منهم أحدا. فقال الأسود في ذلك:
  ذوقي ببغيك يا طسم مجلَّلة ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
  إنّا أبينا(٣) فلم ننفكّ نقتلهم ... والبغي هيّج منّا سورة الغضب
  ولن يعود علينا بغيهم أبدا ... ولن يكونوا كذى أنف ولا ذنب
  وإن رعيتم لنا قربى مؤكَّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنسب
  غزوة حسان بن تبع لجديس وهروب الأسود وقتل طيئ له:
  ثم إن بقيّة طسم لجئوا إلى حسّان بن تبّع، فغزا جديسا فقتلها وأخرب بلادها. فهرب الأسود قاتل عمليق، فأقام بجبلي طيّئ قبل نزول طيئ إيّاهما. وكانت طيئ تسكن الجرف من / أرض اليمن، وهو اليوم محلَّة مراد وهمدان، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤيّ بن الغوث بن طيّئ، وكان الوادي مسبعة، وهم قليل عددهم، وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف ولم يدر أين يذهب ولم يروه إلى قابل، وكانت / الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم(٤)، فاستوحشت طيّئ(٥) لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا فصاروا إلى الأرياف. فلما همّوا بالظَّعن قالوا لأسامة: إنّ هذا البعير يأتينا من بلد ريف وخصب، وإنّا لنرى في بعره النّوى. فلو أننا نتعهّده عند انصرافه فشخصنا معه لكنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا. فأجمعوا أمرهم على ذلك. فلمّا كان الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم، فلمّا انصرف احتملوا واتّبعوه يسيرون بسيره ويبيتون حيث يبيت حتى هبط على الجبلين. فقال أسامة بن لؤيّ:
  اجعل طريبا كحبيب ينسى(٦) ... لكل قوم مصبح وممسى
  قال: وطريب(٧) اسم الموضع الذي كانوا ينزلون به. فهجمت طيئ على النخل في الشّعاب وعلى مواش
(١) الغارّ: الغافل: وأهمدنانهم: أمتناهم.
(٢) في «الأصول»: «فأجابهم».
(٣) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «أتيتا».
(٤) كذا في «ج» وقد صححها كذلك المرحوم الشنقيطي في نسخته الخاصة من طبعة بلاق. وفي «سائر الأصول»: «أيام الصرم» وهو تحريف.
(٥) في «الأصول»: «بلى» والتصويب من نسخة الشنقيطي.
(٦) كذا صححه المرحوم الشنقيطي في نسخته. وفي «الأصول»: «جعلت طريفا كحب يبسا» وفي «ج»: «ينسى» وهو تحريف. وفي كتاب «صفة جزيرة العرب» لأبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني صفحة ٢٥٣ طبع مدينة ليدن سنة ١٨٨٤ م: «وطريب موضع طيئ الذي انتجعوا منه إلى الجبلين».
(٧) في «الأصول»: «وطريف» وهو تحريف كما تقدّم.