أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
  قالت رملة بنت عبد اللَّه بن خلف - وكانت تحت عمر بن عبيد اللَّه بن معمر، وقد ولدت منه ابنه ظلحة الجود - لمولاة لعائشة بنت طلحة: أريني عائشة متجرّدة ولك ألفا درهم. فأخبرت عائشة بذلك. قالت: فإني أتجرّد، فأعلميها ولا تعرّفيها أني أعلم. فقامت عائشة كأنها تغتسل، وأعلمتها فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة، فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم، وقالت: لوددت أني أعطيتك أربعة آلاف درهم ولم أرها. قال: وكانت رملة قد أسنّت، وكانت حسنة الجسم قبيحة الوجه عظيمة الأنف. وفيها وفي عائشة يقول الشاعر:
  أنعم بعائش عيشا غير ذي رنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق
  ويقال: إنّ رملة قد أسنّت عند عمر بن عبيد اللَّه، فكانت تجتنبه في أيّام أقرائها ثم تغتسل، تريه أنها تحيض، وذلك بعد انقطاع حيضها. فقال في ذلك بعض الشعراء:
  جعل اللَّه كلّ قطرة حيض ... قطرت منك في حماليق عين
  / أخبرنا بذلك الجوهريّ عن عمر بن شبّة.
  أخبار لها مع عمر بن عبيد اللَّه:
  وذكر هارون بن الزيّات عن أبي محلَّم عن أبي بكر بن عيّاش قال:
  قال عمر بن عبيد اللَّه لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس: ما مرّ بي مثل يوم أبي فديك(١).
  فقالت له: أعدد أيّامك واذكر أفضلها، فعدّ يوم سجستان ويوم قطريّ بفارس ونحو ذلك. فقالت عائشة. قد تركت يوما لم تكن في أيّامك أشجع منك فيه. قال: وأيّ يوم؟ قالت: يوم أرخت عليها وعليك رملة السّتر.
  تريد قبح وجهها.
  قال: فمكثت عائشة عند عمر بن عبيد اللَّه بن معمر ثماني سنين، ثم مات عنها في سنة اثنتين وثمانين، فتأيّمت بعده، فخطبها جماعة فردّتهم، ولم تتزوج بعده أحدا(٢).
  قال المدائنيّ: كان عمر بن عبيد اللَّه من أشدّ الناس غيرة، فدخل يوما على عائشة وقد ناله حرّ شديد وغبار، فقال لها: انفضي التراب عنّي. فأخذت منديلا تنفض به عنه التراب، ثم قالت له: ما رأيت الغبار على وجه أحد قطَّ كان أحسن منه على وجه مصعب، قال: فكاد عمر يموت غيظا.
  وقال أحمد بن حمّاد بن جميل حدّثني القحذميّ قال.
  كانت عائشة بنت طلحة من أشدّ الناس مغايظة لا زواجها، وكانت تكون لمن يجيء يحدّثها في رقيق الثياب، فإذا قالوا: قد جاء الأمير ضمّت عليها مطرفها / وقطَّبت. وكانت كثيرا ما تصف لعمر بن عبيد اللَّه مصعبا وجماله، تغيظه بذلك فيكاد يموت.
(١) أبو فديك هو عبد اللَّه بن ثور من بني قيس بن ثعلبة، كان من الخوارج، فوجه إليه عبد الملك بن مروان سنة ٧٣ هـ عمر بن عبيد اللَّه بن معمر وأمره أن يندب معه من أحب، فندب عشرة آلاف من أهل الكوفة وعشرة آلاف من أهل البصرة وسار بهم حتى انتهوا إلى البحرين. وهنالك التقوا بأبي فديك وأصحابه، فكانت بينهم وقعة شديدة قتل فيها أبو فديك وكثير من أصحابه، وأسر منهم فريق. (راجع «تاريخ الطبري» القسم الثاني صفحة ٨٥٢ - ٨٥٣).
(٢) في «ج، ب، س»: «أبدا».