كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها

صفحة 128 - الجزء 11

  كان كبر عجيزتها مثار العجب:

  زرت مع مولاتي خالتها عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة⁣(⁣١)، فرأيت عجيزتها من خلفها وهي جالسة كأنها غيرها، فوضعت أصبعي عليها لأعلم ما هي، فلمّا وجدت مسّ أصبعي قالت: ما هذا؟ قلت: جعلت فداءك! لم أدر ما هو، فجئت لأنظر. فضحكت وقالت: ما أكثر من يعجب مما عجبت منه.

  إعجاب أبي هريرة بجمالها:

  وزعم بكر بن عبد اللَّه بن عاصم مولى عرينة عن أبيه عن جدّه: أنّ عائشة نازعت زوجها إلى أبي هريرة، فوقع خمارها عن وجهها، فقال أبو هريرة: سبحان اللَّه! ما أحسن ما غذّاك أهلك! لكأنما خرجت من الجنّة.

  وفدت على هشام فأعجب سامروه بعلمها:

  قال ابن عائشة وحدّثني أبي أنّ عائشة بنت طلحة وفدت على هشام، فقال لها: ما أوفدك؟ قالت: حبست السماء المطر، ومنع السلطان الحقّ. قال: فإني أبلّ رحمك وأعرف حقّك، ثم بعث إلى مشايخ بني أميّة فقال: إنّ عائشة عندي، فاسمروا عندي الليلة فحضروا، فما تذاكروا شيئا من أخبار العرب وأشعارها وأيّامها / إلا أفاضت معهم فيه، وما طلع نجم ولا غار إلا سمّته. فقال لها هشام: أمّا الأوّل فلا أنكره، وأمّا النجوم فمن أين لك؟ قالت:

  أخذتها عن خالتي عائشة. فأمر لها بمائة ألف درهم وردّها إلى المدينة.

  مر بها النميري الشاعر فاستنشدته وخبره معها:

  أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن المغيرة بن محمد⁣(⁣٢) المهلَّبيّ عن محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه قال / حدّثني ابن عمران البزّازيّ قال:

  لمّا تأيّمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة، تخرج إلى مال لها بالطائف عظيم وقصر لها فتنزّه وتجلس فيه بالعشيّات، فتناضل بين الرّماة. فمرّ بها النّميريّ الشاعر، فسألت عنه فنسب لها، فقالت:

  ائتوني به. فقالت له لمّا أتوها به: أنشدني ممّا قلت في زينب⁣(⁣٣). فامتنع وقال: ابنة عمّي وقد صارت عظاما بالية.

  قالت: أقسمت لمّا فعلت. فأنشدها قوله:

  نزلن بفخّ ثم رحن عشيّة ... يلبّين للرحمن معتمرات⁣(⁣٤)

  يخبّئن أطراف الأكفّ من التّقى ... ويخرجن شطر الليل معتجرات⁣(⁣٥)

  ولمّا رأت ركب النميريّ أعرضت ... وكنّ من أن يلقينه حذرات


(١) أي جارية شابة.

(٢) في «الأصول»: «عن المغيرة عن محمد المهلبي» وهو تحريف. والمغيرة بن محمد المهلبي ذكر كثيرا في «الأغاني».

(٣) هي زينب بنت يوسف أخت الحجاج بن يوسف الثقفي.

(٤) فخ: واد بمكة. وفيه يقول بلال يحن إليه:

ألا ليت شعري هلى أبيتن ليلة ... بفخ وعندي إذخر وجليل

والاعتمار: القصد والزيارة، وهو في الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة معروفة في كتب الفقه.

(٥) الاعتجار: ليّ الثوب على الرأس من غير أن يدار تحت الحنك.