كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

شعر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها

صفحة 138 - الجزء 11

  وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها

  قال أبو عبيدة وحدّثني غير أنيس أنه كان يكثر زيارتها، فعاتبه أخوها وقومها فلم يعتب⁣(⁣١)، وشكوه إلى قومه فلم يقلع، فتظلَّموا منه إلى السّلطان فأهدر دمه إن أتاهم. وعلمت ليلى بذلك، وجاءها زوجها وكان غيورا فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنّها، ولئن أنذرته بذلك ليقتلنّها. قالت ليلى: وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه، فرصدوه بموضع ورصدته بآخر، فلمّا أقبل لم أقدر على كلامه لليمين، فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي. فلمّا رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى ففاتهم.

  عرفها رجل من بنى كلاب وخبره معها ومع زوجها:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن معاوية بن بكر قال حدّثني أبو زياد الكلابيّ قال:

  / خرج رجل من بني كلاب ثم من بني الصحمة⁣(⁣٢) يبتغي إبلا له حتى أوحش وأرمل⁣(⁣٣)، ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت بواد، فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف، فأبصر امرأة وصبيانا يدورون بالخباء فلم يكلَّمه / أحد. فلمّا كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة، وسمع فيها صوت رجل حتى⁣(⁣٤) جاء بها فأناخها على البيت، ثم تقدّم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السّواد حذآءك؟ قالت: راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلَّمه.

  فقال لها: كذبت، ما هو إلا بعض خلَّانك، ونهض يضربها وهي تناشده، قال الرجل: فسمعته يقول: واللَّه لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك. فلمّا عيل صبرها⁣(⁣٥) قالت: يا صاحب البعير يا رجل! وأخذ الصحميّ هرواته ثم أقبل يحضر⁣(⁣٦) حتى أتاها وهو يضربها، فضربه ثلاث ضربات أو أربعا، ثم أدركته المرأة فقالت: يا عبد اللَّه، ما لك ولنا! نحّ عنّا نفسك، فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلَّها وقد ظنّ أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحيّ بعد⁣(⁣٧)، حتى أصبح في أخبية من الناس، ورأى غنما فيها أمة مولَّدة، فسألها عن أشياء حتى بلغ به الذكر⁣(⁣٨)، فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا⁣(⁣٩). فضحكت وقالت: إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم. فقال:

  وما ذاك للَّه بلادك؟ فو اللَّه ما أنا به عالم. قالت: ذاك خباء ليلى الأخيليّة، وهي أحسن الناس وجها، وزوجها رجل غيور فهو يعزب بها عن الناس / فلا يحلّ بها معهم، واللَّه ما يقربها أحد ولا يضيفها، فكيف نزلت أنت بها؟ قال.

  إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه، وكتمها الأمر. وتحدّث الناس عن رجل نزل بها فضربها زوجها فضربه الرجل ولم يدر من هو. فلمّا أخبر⁣(⁣١٠) باسم المرأة وأقرّ على نفسه تغنّى بشعر دلّ فيه على نفسه وقال:


(١) أي لم يرضهم.

(٢) في «مختار الأغاني»: «من بني الصمح» وكذلك ورد في الشعر الآتي: «أنا الصمحيّ» ولم نهتد لوجه الصواب فيه.

(٣) أوحش هنا: جاع. وأرمل: نفد زاده.

(٤) كلمة «حتى» ليست في «ج».

(٥) في «مختار الأغاني» لابن منظور: «فلما عيل صبرها غوّثت وقالت ...».

(٦) في «ب، س»: «يحفز» وهو تحريف. والإحضار: العدو.

(٧) زاد في «مختار الأغاني»: «ولا من الرجل».

(٨) كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: ... بها الذكر».

(٩) كذا في مختار الأغاني. وفي «الأصول» «بشعب كذا وكذا» ولا معنى لتكرار هذه الكلمة.

(١٠) في «مختار الأغاني»: «فلما أخبر باسم المرأة أقر على نفسه بشعر قاله وهو ...».