ذكر الأقيشر وأخباره
  سمع عبد الملك بن مروان شعرا له في طلحة الفياض فمدحه:
  أخبرني الحسن بن عليّ عن العنزيّ عن [محمد بن] معاوية قال: غنّت جارية عند عبد الملك بن مروان بشعر الأقيشر:
  قرّب اللَّه بالسلام وحيّا ... زكريّا بن طلحة الفيّاض
  معدن الضّيف إن أناخوا إليه ... بعد أين الطلائح الأنقاض(١)
  ساهمات العيون خوص(٢) رذايا ... قد براها الكلال بعد إياض(٣)
  زاده خالد ابن عمّ أبيه ... منصبا كان في العلا ذا انتقاض
  فرع تيم من تيم مرّة حقّا ... قد قضى ذاك لابن طلحة قاض
  / فقال عبد الملك للجارية: ويحك! لمن هذا؟ قالت: للأقيشر. قال: هذا المدح لا على طمع ولا فرق، وأشعر الناس الأقيشر.
  لقيه الكميت فسمع من شعره وأثنى عليه:
  وذكر عبد اللَّه بن خلف أنّ أبا عمرو الشيبانيّ أخبره أنّ الكميت بن زيد لقي الأقيشر في سفرة(٤)، فقال له: أين تقصد يا أبا معرض؟ فقال:
  سألني الناس أين يقصد هذا ... قلت آتى في الدار قرما سريّا
  وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء، فلم يزل الكميت يستعيده إيّاها مرارا، ثم قال: ما كذب من قال إنك أشعر الناس.
  كان عنينا فقال شعرا في ضدّ ذلك داعب به رجلا من قيس:
  أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن ابن سلَّام قال:
  كان الأقيشر عنّينا، وكان لا يأتي النساء، وكان كثيرا ما كان يصف ضدّ ذلك من نفسه. فجلس إليه يوما رجل من قيس، فأنشده الأقيشر:
  ولقد أروح بمشرف ذي شعرة(٥) ... عسر المكرّة ماؤه يتفصّد
(١) معدن: اسم من عدن بالمكان إذا أقام به. والأين: التعب. وفي «الأصول»: «ابن» بالموحدة وهو تصحيف. والطلائح: جمع طليح وطليحة، وهو الذي أعياه السير. وفي «الأصول» ما عدا ج: «الطلائع»، وهو تحريف. والأنقاض: جمع نقض (بالكسر) وهو المهزول من السير.
(٢) ساهمات العيون: متغيراتها. والمعروف في هذا أن يقال ساهم الوجه أي متغيره. قال عنترة:
والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... يسقي فوارسها نقيع الحنظل
وخوص: غائرات العيون، الواحد أخوص وخوصاء. ورذايا: مهزولات، والواحد رذي ورذية.
(٣) كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج» هكذا: «أباض» بالباء الموحدة. ولم نهتد إلى ما نطمئن إليه في هذه الكلمة.
(٤) في «الأصول»: «في سفره».
(٥) في «أ، م»: «ذي كرة». ويتفصد: يسيل. وقد أورد هذين البيتين ومعهما ثالث الخطيب التبريزي في «شرح ديوان الحماسة» لأبي تمام هكذا: