كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأقيشر وأخباره

صفحة 170 - الجزء 11

  سمع عبد الملك بن مروان شعرا له في طلحة الفياض فمدحه:

  أخبرني الحسن بن عليّ عن العنزيّ عن [محمد بن] معاوية قال: غنّت جارية عند عبد الملك بن مروان بشعر الأقيشر:

  قرّب اللَّه بالسلام وحيّا ... زكريّا بن طلحة الفيّاض

  معدن الضّيف إن أناخوا إليه ... بعد أين الطلائح الأنقاض⁣(⁣١)

  ساهمات العيون خوص⁣(⁣٢) رذايا ... قد براها الكلال بعد إياض⁣(⁣٣)

  زاده خالد ابن عمّ أبيه ... منصبا كان في العلا ذا انتقاض

  فرع تيم من تيم مرّة حقّا ... قد قضى ذاك لابن طلحة قاض

  / فقال عبد الملك للجارية: ويحك! لمن هذا؟ قالت: للأقيشر. قال: هذا المدح لا على طمع ولا فرق، وأشعر الناس الأقيشر.

  لقيه الكميت فسمع من شعره وأثنى عليه:

  وذكر عبد اللَّه بن خلف أنّ أبا عمرو الشيبانيّ أخبره أنّ الكميت بن زيد لقي الأقيشر في سفرة⁣(⁣٤)، فقال له: أين تقصد يا أبا معرض؟ فقال:

  سألني الناس أين يقصد هذا ... قلت آتى في الدار قرما سريّا

  وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء، فلم يزل الكميت يستعيده إيّاها مرارا، ثم قال: ما كذب من قال إنك أشعر الناس.

  كان عنينا فقال شعرا في ضدّ ذلك داعب به رجلا من قيس:

  أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن ابن سلَّام قال:

  كان الأقيشر عنّينا، وكان لا يأتي النساء، وكان كثيرا ما كان يصف ضدّ ذلك من نفسه. فجلس إليه يوما رجل من قيس، فأنشده الأقيشر:

  ولقد أروح بمشرف ذي شعرة⁣(⁣٥) ... عسر المكرّة ماؤه يتفصّد


(١) معدن: اسم من عدن بالمكان إذا أقام به. والأين: التعب. وفي «الأصول»: «ابن» بالموحدة وهو تصحيف. والطلائح: جمع طليح وطليحة، وهو الذي أعياه السير. وفي «الأصول» ما عدا ج: «الطلائع»، وهو تحريف. والأنقاض: جمع نقض (بالكسر) وهو المهزول من السير.

(٢) ساهمات العيون: متغيراتها. والمعروف في هذا أن يقال ساهم الوجه أي متغيره. قال عنترة:

والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... يسقي فوارسها نقيع الحنظل

وخوص: غائرات العيون، الواحد أخوص وخوصاء. ورذايا: مهزولات، والواحد رذي ورذية.

(٣) كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج» هكذا: «أباض» بالباء الموحدة. ولم نهتد إلى ما نطمئن إليه في هذه الكلمة.

(٤) في «الأصول»: «في سفره».

(٥) في «أ، م»: «ذي كرة». ويتفصد: يسيل. وقد أورد هذين البيتين ومعهما ثالث الخطيب التبريزي في «شرح ديوان الحماسة» لأبي تمام هكذا: