ذكر الأقيشر وأخباره
  مرح يطير من المراح لعابه ... وتكاد جلدته به تتقدّد(١)
  ثم قال للرجل: أتبصر الشعر؟ قال نعم. قال: فما وصفت؟ قال: فرسا قال: أفكنت لو رأيته ركبته؟ قال: إي واللَّه وأثني عطفه. فكشف عن أيره وقال: هذا وصفت، فقم فاركبه. فوثب الرجل من مجلسه وجعل يقول له: قبحك اللَّه من جليس! سائر اليوم.
  دعاه عابس وهو في جنازة بنت زياد العصفري لغداء وشراب فقال شعرا:
  ونسخت من كتاب عبد اللَّه بن خلف: حدّثني أبو عمرو الشيبانيّ قال:
  ماتت بنت زياد العصفريّ، فخرج الأقيشر في جنازتها، فلمّا دفنوها انصرف، فلقيه عابس مولى عائذ اللَّه، فقال له: هل لك في غداء وطلاء(٢) أتيت به من طيزناباذ(٣)؟ قال نعم. فذهب به إلى منزله فغدّاه وسقاه، فلمّا شرب قال:
  فليت زيادا لا يزلن(٤) بناته ... يمتن وألقى كلَّما عشت عابسا
  فذلك يوم غاب عنّي شرّه ... وأنجحت فيه بعد ما كنت آيسا
  أخذه الشرط من حانة فتخلص منهم برشوة وقال شعرا:
  ونسخت من كتابه: حدّثني أبو عمرو قال:
  شرب الأقيشر في بيت خمّار بالحيرة، فجاءه الشّرط ليأخذوه، فتحرّز منهم وأغلق بابه وقال: لست أشرب، فما سبيلكم عليّ! قالوا: قد رأينا العسّ(٥) في كفّك وأنت تشرب. قال: إنما شربت من لبن لقحة(٦) لصاحب الدار، فلم يبرحوا حتى أخذوا منه درهمين. فقال:
  إنّما لقحتنا باطية ... فإذا ما مزجت كانت عجب
  / لبن أصفر صاف لونه ... ينزع الباسور من عجب الذّنب
  إنما نشرب من أموالنا ... فسلوا الشّرطيّ ما هذا الغضب
  سأل عبد الملك وفد بني أسد عنه وقال إنه شاعرهم:
  أخبرني الحسن بن عليّ عن العنزيّ عن محمد بن معاوية قال:
  دخل وفد بني أسد على عبد الملك بن مروان، فقال: من شاعركم يا بني أسد؟ قالوا: إنّ فينا لشعراء ما يرضى
=
ولقد غدوت بمشرف يأفوخه ... عسر المكره ماؤه يتفصد
مرح يمج من المراح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدّد
حتى علوت به مشق ثنية ... طورا أغور بها وطورا أنجد
(١) المراح (وزان كتاب): اسم من المرح وهو الأشر والنشاط. وتتقدد: تنقطع.
(٢) الطلاء: من أسماء الخمر.
(٣) طيزناباذ: موضع بين الكوفة والقادسية على حافة الطريق.
(٤) أثبت الأقيشر هاهنا علامة الجمع في الفعل وهو غير الفصيح.
(٥) العس: القدح العظيم.
(٦) اللقحة (بالكسر ويفتح): الناقة الحلوب.