أخبار أبي النضير ونسبه
  سكتّ عن الغناء فلا أماري ... بصيرا لا ولا غير البصير
  مخافة أن أجنّن فيه نفسي ... كما قد جنّ فيه أبو النّضير
  قاطعه أبان اللاحقي وقال شعرا يهجوه:
  أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهروية قال حدّثني أبو طلحة الخزاعيّ عن اللَّاحقيّ قال:
  كان جدّي أبان يشرب مع إخوان له على شاطيء دجلة بعد مصارمته أبا النّضير، وكان القوم أصدقاء له ولأبي النضير، فذكروه. فقال جدي: إن حضر آنصرفت، فأمسكوا. فقال جدي فيه:
  ربّ يوم بشطَّ دجلة لذّ ... وليال نعمت فيها لذاذ
  غيبة لم تطل عليّ وماذا ... خير قرب المطرمذ الملَّاذ(١)
  ترك الأشربات ليس بعاط ... لرساطونها(٢) ولا الرّاقياذ(٣)
  وحكى الأحمق الذي ليس يدري ... أنّ خير الشراب(٤) هذا اللذاذ
  ضلّ رأي أراه ذاك كما ض ... لّ غواة لا ذوا بشرّ ملاذ
  أنت أعمى فيما ادّعيت كما لس ... ت لصوغ الألحان بالأستاذ
  كان ذنبا أتوب منه إلى الل ... هـ اختياريك صاحبا واتّخاذي
  إنّ للَّه صوم شهرين شكرا ... أن قضى منك عاجلا إنقاذي
  لا لدين ولا لدنيا ولا يص ... لح(٥) في علم ما ادّعى بنفاذ
  كتب إلى حماد عجرد يسأله عن حاله في الشراب فأجابه:
  حدّثني ابن عمّار عن الطَّلحيّ عن أبي سهيل قال:
  كتب أبو النّضير إلى الحمّاد عجرد يسأل عن حاله في الشّراب وشربه إيّاه ومن يعاشر عليه. فكتب إليه حمّاد:
  أبا النّضير اسمع كلامي ولا ... تجعل سوى الإنصاف من بالكا
  سألت عن حالي، وما حال من ... لم يلق إلَّا عابدا ناسكا
  يظهر لي ذا فمتى يفترص(٦) ... شيئا تجده عاديا فاتكا
  يعني حريث بن عمرو. وكان حمّاد نزل عليه، وكان حريث هذا مشهورا بالزّندقة، وكذلك حمّاد هذا كان مشهورا بها، فنزل عليه لذلك.
(١) المطرمذ: الذي يقول ولا يفعل، والذي لا يحقق في الأمور. والملاذ: المطرمذ المتصنع الذي لا تصح مودته.
(٢) العاطي: المتناول. والرساطون: شراب يتخذه أهل الشام من الخمر والعسل، والكلمة رومية.
(٣) كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «الراقباذ» بالياء الموحدة. ولم تهتد إليه في المظان التي راجعناها. وظاهر أنّ المراد به ضرب من الشراب.
(٤) في «ج»: «الشباب». واللذاذ: مصدر لذذت الشيء لذاذا ولذاذة أي وجدته لذيذا. وظاهر أن في هذا الشطر تحريفا لم نهتد إليه.
(٥) في «الأصول»: «تصلح» بتاء الخطاب، ولا يستقيم به سياق الكلام.
(٦) افترض الشيء: انتهزه وأصابه واغتنمه.