كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علوية ونسبه

صفحة 236 - الجزء 11

  إذا كان لي شيئان يا أمّ مالك ... فإنّ لجاري منهما ما تخيّرا

  فأخذته وادّعيته وسترته طول أيّام الرشيد خوفا من أن أتّهم فيه وطول أيّام الأمين حتى حدث عليه ما حدث. وقدم المأمون من خراسان وكان يخرج إلى الشمّاسيّة⁣(⁣١) دائما يتنزّه، فركبت في زلَّال⁣(⁣٢) وجئت أتبعه، فرأيت حرّاقة عليّ بن هشام، فقلت للملَّاح: اطرح زلالي على الحرّاقة ففعل، واستؤذن لي فدخلت وهو يشرب مع الجواري - وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت ما لم يلدن - فإذا بين يديه متيّم وبذل [من] جواريه، فغنّيته الصوت فاستحسنه جدّا وطرب عليه وقال: لمن هذا؟ فقلت: هذا صوت صنعته وأهديته لك، ولم يسمعه أحد قبلك، فازداد به / عجبا وطربا وقال لها: خذيه⁣(⁣٣) عنه، فألقيته عليها حتى أخذته، فسرّ بذلك وطرب، وقال لي⁣(⁣٤): ما أجد لك مكافأة على هذه الهديّة إلَّا أن أتحوّل عن هذه الحرّاقة بما فيها وأسلَّمه إليك أجمع. فتحوّل إلى أخرى، وسلَّمت الحرّاقة بخزانتها وجميع آلاتها إليّ وكلّ شيء فيها، فبعت ذلك بمائة وخمسين ألف درهم واشتريت بها ضيعتي الصالحيّة.

  غنى المأمون لحنا في بيت لم يعرفه أحد ثم عرف بعد:

  حدّثني جحظة قال حدّثني ابن المكيّ المرتجل عن أبيه قال قال⁣(⁣٥) إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازيّ، وحدّثني به عمّي قال حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني حسّان بن محمد الحارثيّ عن إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازيّ قال:

  غنّى علَّويه الأعسر يوما بين يدي المأمون⁣(⁣٦)

  تخيّرت من نعمان عود أراكة ... لهند فمن هذا يبلَّغه هندا

  فقال المأمون: اطلبوا لهذا البيت ثانيا فلم يعرف، وسأل كلّ من بحضرته من أهل الأدب والرّواة والجلساء عن قائل هذا الشعر فلم يعرفه أحد. فقال إسحاق بن حميد: لمّا رأيت ذلك عنيت بهذا الشعر وجهدت في المسألة وطلبته ببغداد عند كلّ متأدّب وذي معرفة فلم يعرفه. وقلَّد المأمون أبا الرازيّ كور دجلة وأنا أكتب له، ثم نقله إلى اليمامة والبحرين. قال إسحاق بن حميد: فلمّا خرجنا ركبت مع أبي الرازيّ في بعض اللَّيالي⁣(⁣٧) على حمارة، فابتدأ الحادي يحدو بقصيدة طويلة، وإذا البيت الذي كنت أطلبه، فسألته عنها فذكر أنها للمرقّش الأكبر، فحفظت منها هذه الأبيات:

  /

  خليليّ عوجا بارك اللَّه فيكما ... وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا

  / وقولا لها ليس الضّلال أجازنا ... ولكنّنا جزنا لنلقاكم عمدا


(١) الشماسية هنا: من ضواحي بغداد.

(٢) الزلال: ضرب من الزوارق.

(٣) الخطاب لإحدى الجاريتين.

(٤) كذا في «نهاية الأرب». وفي «الأصول»: «وقال ما لي ما أجد لك ...».

(٥) في «الأصول»: «كان» وهو تحريف.

(٦) زيد في «ج» هنا: «قال» وفي «سائر الأصول»: «فقال». وظاهر أنه لا مقتضى لهذه الكلمة هنا.

(٧) في «ج»: ... في بعض الليالي قبة على حمارة».