أخبار الطرماح ونسبه
  كان هو والكميت في مسجد الكوفة فقصدهما ذو الرمة فاستنشدهما وأنشدهما
  ونسخت من كتابه ¥: أخبرني الحسن بن سعيد قال أخبرني ابن علَّاق قال أخبرني شيخ لنا أنّ خالد بن كلثوم أخبره قال:
  بينا أنا في مسجد الكوفة أريد الطَّرمّاح والكميت وهما جالسان بقرب باب(١) الفيل، إذ رأيت أعرابيا قد جاء يسحب أهداما(٢) له، حتى إذا توسّط المسجد خرّ ساجدا، ثم رمى ببصره فرأى الكميت والطَّرمّاح فقصدهما.
  فقلت: من هذا الحائن(٣) الذي وقع بين هذين الأسدين! وعجبت من سجدته في غير موضع سجود وغير وقت صلاة. فقصدته، ثم سلَّمت عليهم ثم جلست أمامهم. فالتفت إلي الكميت فقال: أسمعني شيئا يا أبا المستهلّ؛ فأنشده قوله:
  أبت هذه النّفس إلَّا ادّكارا
  / حتى أتى على آخرها. فقال له: أحسنت واللَّه يا أبا المستهلّ في ترقيص هذه القوافي ونظم عقدها(٤)! ثم التفت إلى الطَّرمّاح فقال: أسمعني شيئا يا أبا ضبينة؛ فأنشده كلمته التي يقول فيها:
  أساءك تقويض(٥) الخليط المباين ... نعم والنّوى قطَّاعة للقرائن
  فقال: للَّه درّ هذا الكلام! ما أحسن إجابته لرويّتك! إن كدت(٦) لأطيل لك حسدا. ثم قال الأعرابيّ: واللَّه لقد قلت بعدكما ثلاثة أشعار، أمّا أحدها فكدت أطير به في السماء فرحا. وأمّا الثاني فكدت أدّعي به الخلافة. وأمّا الثالث فرأيت(٧) رقصانا استفزّني به الجذل حتّى أتيت عليه. قالوا: فهات؛ فأنشدهم [قوله](٨):
  أأن توهّمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم(٩)
  حتّى إذا بلغ قوله:
  تنجو إذ جعلت تدمى أخشّتها ... وابتلّ بالزّبد الجعد الخراطيم(١٠)
(١) باب الفيل: موضع بالكوفة. سمى بذلك لأن زياد بن أبيه لما تزوّج أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط وهي حدثة كان يأمر بفيل كان عنده فيوقف، فتنظر إليه أم أيوب. (الطبري ق ٢ ص ٢٧).
(٢) الأهادم: جمع هدم (بالكسر) وهو الثوب البالي المرقع.
(٣) الحائن: الهالك، وكل ما لم يوفق للرشاد فهو حائن.
(٤) كذا في ط. وفي سائر الأصول: «وتعلم عقدها» تحريف.
(٥) التقويض هنا: نزع القوم أعواد خيامهم وأطنابها. والخليط هنا: القوم الذين أمرهم واحد. وذلك أن العرب كانوا ينتجعون أيام الكلأ، فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع ألفة، فإذا قوضوا خيامهم وافترقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك.
(٦) كذا في ط. وفي سائر الأصول: «إن كنت» تحريف.
(٧) في ط: «فلقد رأيت».
(٨) زيادة في ط، م.
(٩) في «ديوان ذي الرمة»: «أعن ترسمت» بإبدال الهمزة عينا. وترسمت الدار: نظرت رسومها. والصبابة: رقة الشوق. ومسجوم:
مصبوب.
(١٠) تنجو: تسرع. والأخشة: جمع خشاش وهو الحلقة التي توضع في أنف البعير ليجذب بها. والجعد بها. والجعد من الزبد: الثخين الغليظ، فإن كان رقيقا فهو هييّان (بتشديد الياء مكسورة).