7 - أخبار العرجي ونسبه
  قال: مهرك. فنفحت به(١) وقالت: وا سوأتاه! فقال: احتبسي منه لنفسك ووسّعي منه لأهلك، وقال لحفصة:
  يا بنتاه، أصلحي من شأنها وغيّري بدنها(٢) واصبغي ثوبها، ففعلت. ثم أرسل بها مع نسوة إلى عثمان. فقال عمر لمّا فارقته: إنها أمانة في عنقي أخشى / أن تضيع بيني وبين عثمان، فلحقهنّ فضرب على عثمان بابه، ثم قال: خذ أهلك بارك اللَّه لك فيهم. فدخلت على عثمان، فأقام عندها مقاما طويلا لا يخرج إلى حاجة. فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عبد اللَّه، لقد أقمت عند هذه الدّوسيّة مقاما ما كنت تقيمه عند النساء. فقال: أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحبّ أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا خصلة واحدة. قال: وما هي؟ قال: إنّي رجل قد دخلت في السّنّ، وحاجتي في النساء الولد، وأحسبها حديثة لا ولد فيها / اليوم. قال: فتبسّمت. فلمّا خرج سعيد من عنده قال لها عثمان: ما أضحكك؟ قالت: قد سمعت قولك في الولد، وإني لمن نسوة ما دخلت امرأة منهنّ على سيّد قطَّ فرأت حمراء(٣) حتى تلد سيّد من هو منه. قال: فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان. وأمّ عمر بن عمرو بن عثمان وأمّ ولد. وأمّ العرجيّ آمنة بنت عمر بن عثمان؛ وقال إسحاق: بنت سعيد بن عثمان، وهي لأمّ ولد.
  سبب تلقبه بالعرجي ونحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمّي:
  أنه إنما لقّب العرجيّ لأنه كان يسكن عرج(٤) الطائف. وقيل: بل سمّي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج.
  وكان من شعراء قريش، ومن شهر بالغزل منها، ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبّه به فأجاد. وكان مشغوقا باللَّهو والصّيد حريصا عليهما قليل المحاشاة(٥) لأحد فيهما. ولم يكن له نباهة في أهله، وكان أشقر أزرق جميل الوجه. وجيداء التي شبّب بها هي أمّ محمد بن هشام بن إسماعيل / المخزوميّ، وكان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبّة كانت بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إيّاه وضربه له، حتى مات في السّجن.
  وأخبرني محمد بن مزيد إجازة عن حمّاد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدّثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه:
  أنّ العرجيّ كان أزرق كوسجا(٦) ناتئ الحنجرة، وكان صاحب غزل وفتوّة(٧)، وكان يسكن بمال له في الطائف يسمّى العرج؛ فقيل له العرجيّ ونسب إلى ماله. وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، وكان له معه بلاء حسن ونفقة كثيرة.
(١) كذا في أ، م، ت، ح. ونفحت به: رمت به وردّته. وفي ب، س: «فنفخت فيه» ومعناه رمته وردته كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. قال في «اللسان» (مادة نفخ): وفي الحديث «رأيت كأنه وضع في يديّ سواران من ذهب فأوحى إليّ أن انفخهما» أي ارمهما والقهما كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. وإن كانت بالحاء المهملة فهو من نفحت الشيء إذا رميته أه. وفيء: «فتعجبت به».
(٢) البدن: شبه درع إلا أنه قصير قدر ما يكون على الجسد فقط قصير الكمين، وبه فسر ثعلب قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}.
(٣) فرأت حمراء، كناية عن الحيض. تريد أنها تلد من يفوق أباه.
(٤) عرج الطائف: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف وهي أوّل تهامة، وبينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا، وهي في بلاد هذيل.
(٥) أي قليل المبالاة والاكتراث بأحد فيهما.
(٦) الكوسج: الأثطَّ وهو الخفيف شعر اللحية أو الخفيف شعر العارضين.
(٧) في ت: «وفتوّة ومروءة».