أخبار معن بن أوس ونسبه
  ورممت(١) من مالي! فقالت: كم تقيم؟ قال:(٢) سنة، فأذنت له. فأتى أهله فأقام فيهم وأزمن عنها (أي طال مقامه). فلمّا أبطأ عليها رحلت إلى المدينة فسألت عنه، فقيل لها: إنّه بعمق (وهو ماء لمزينة). فخرجت، حتّى إذا كانت قريبة(٣) من عمق نزلت منزلا كريما(٤). وأقبل معن في طلب ذود له قد أضلَّها وعليه مدرعة من صوف وبتّ من صوف أخضر - قال: والبتّ: الطَّيلسان(٥) - وعمامة غليظة. فلمّا رفع(٦) له القوم مال إليهم ليستسقي، ومع ليلى ابن أخ لها ومولى من مواليها جالس أمام خباء له. فقال له معن: هل من ماء؟ قال: نعم، وإن شئت سويقا، وإن شئت لبنا؛ فأناخ. وصاح مولى ليلى: يا منهلة - وكانت منهلة الوصيفة التي تقوم على معن عندهم بالبصرة - فلمّا أتته بالقدح وعرفها وحسر عن وجهه ليشرب عرفته وأثبتته(٧)، فتركت القدح في يده وأقبلت مسرعة إلى مولاتها فقالت: يا مولاتي، هذا واللَّه معن إلا أنّه في جبّة صوف وبتّ صوف. فقالت: هو واللَّه عيشهم، الحقي مولاي فقولي له: هذا معن، فاحبسه. فخرجت الوصيفة مسرعة فأخبرت. فوضع معن القدح وقال له: دعني حتّى ألقاها في غير هذا الزّيّ. فقال: لست بارحا حتّى تدخل عليها. فلما رأته قالت: أهذا العيش الذي نزعت إليه يا معن؟! قال: إي واللَّه يا بنة عمّ! أما إنّك لو أقمت إلى أيّام / الرّبيع حتّى ينبت البلد الخزامى والرّخامى(٨) والسّخبر والكمأة، لأصبت عيشا طيّبا. فغسلت رأسه وجسده، وألبسته ثيابا ليّنة، وطيبته، وأقام معها ليلته أجمع يهرجها(٩)، ثم غدا متقدّما إلى عمق حتّى أعدّ لها طعاما / ونحر ناقة وغنما(١٠). وقدمت على الحيّ، فلم تبق [فيهم](١١) امرأة إلا أتتها وسلَّمت عليها، فلم تدع منهنّ امرأة حتّى وصلتها. وكانت لمعن امرأة بعمق يقال لها أم حقّه. فقالت لمعن:
  هذه واللَّه خير لك منّي، فطلَّقني، وكانت قد حملت فدخله(١٢) من ذلك وقام. ثم إنّ ليلى رحلت إلى مكة حاجّة
(١) رممت من مالي: أصلحت.
(٢) في ح ب، س: «قلت» تحريف.
(٣) في ط، م، ف: «قريبا».
(٤) «كريما» ليست في ط، م، ف.
(٥) كذا في ط، م، ج. وهي جملة جئ بها لتفسير البيت. وفي بعض النسخ: «وقد لبس الطيلسان». وفي بعضها: «وقد لبث الطيلسان» تحريف.
(٦) رفع له الشيء (مبنيا للمجهول): أبصره عن بعد.
(٧) يقال: أثبت فلان فلانا، إذا عرفه حق المعرفة.
(٨) قال أبو حنيفة: الخزامى: عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة طيبة الريح، لها نور كنور البنفسج. قال: ولم نجد من الزهر زهرة أطيب من نفحة الخزامى، وهي خيريّ البر. والخيري: المنثور (ضرب من الزهر) الأصفر. والرخامى: نبتة. قال أبو حنيفة: هي غبراء الحضرة لها زهرة بيضاء نقية ولها عرق أبيض تحفره الحمر بحوافرها، والوحش كله يأكل ذلك العرق لحلاوته وطيبه، ومنابتها الرمل.
والسخبر، قال أبو حنيفة: إنه يشبه الثّمام له جرثومة وعيدانه كالكراث في الكثرة، كأن ثمره مكاسح القصب أو أرق منها، وإذا طال تدلت رؤوسه وانحنت.
والكمأة: نبات يقال له شحم الأرض، والعرب تسميه جدري الأرض. قيل هو أصل مستدير كالفلقاس لا ساق له ولا عرق، لونه إلى الغبرة، يوجد في الربيع تحت الأرض.
(٩) كذا في ط، م، ف. ويهرجها: يجامعها. وفي سائر الأصول: «يحدّثها».
(١٠) وغنما، ليست في ف.
(١١) زيادة عن ط، م، ف.
(١٢) أي دخله شيء من ذلك.