أخبار معن بن أوس ونسبه
  ومن معها. فلمّا فرغا من حجّهما انصرفا، فلمّا حاذيا منعرج الطريق إلى عمق قال معن: يا ليلى، كأن فؤادي(١) ينعرج إلى ما هاهنا. فلو أقمت سنتنا هذه حتّى نحجّ من قابل ثم نرحل إلى البصرة! فقالت: ما أنا ببارحة مكاني حتّى ترحل معي إلى البصرة أو تطلَّقني. فقال: أمّا إذ ذكرت الطلاق فأنت طالق. فمضت إلى البصرة(٢)، ومضى إلى عمق، فلمّا فارقته وتبعتها(٣) نفسه؛ فقال في ذلك:
  /
  توهّمت ربعا بالمعبّر(٤) واضحا ... أبت قرّتاه(٥) اليوم إلَّا تراوحا
  أربّت عليه(٦) رادة حضر ميّة ... ومرتجز كأنّ فيه المصابحا
  إذا هي حلَّت كربلاء فلعلعا ... فجوز العذيب دونها(٧) فالنّوابحا(٨)
  وبانت(٩) نواها من نواك وطاوعت ... مع الشّانئين(١٠) الشامتات الكواشحا
  فقولا لليلى هل تعوّض نادما ... له رجعة قال الطلاق ممازحا
  فإن هي قالت لا فقولا لها بلى ... ألا تتّقين الجاريات(١١) الذّوابحا
  / وهي قصيدة طويلة. فلمّا انصرف وليست ليلى معه قالت له امرأته أمّ حقّة: ما فعلت ليلى؟ قال: طلَّقتها.
  قالت واللَّه لو كان فيك خير ما فعلت ذلك، فطلَّقني أنا أيضا. فقال لها معن:
(١) في أكثر الأصول: «كأن الغوادي ينعرجن إلى هاهنا». والتصويب من ط، م، ف.
(٢) هكذا في ط، م، ف. ومكانه في سائر الأصول: «فطلقها ومضى إلى عمق. فلما فارقته ...».
(٣) ف ط، م، ف: «وتتبعتها».
(٤) في ف: «بالمغمس». ومعبر، قال أبو عبيد البكري في معجمه: بواحدة مكسورة مشدّدة، موضع تلقاء الوتدات من البقيع؛ قال طفيل:
أفدّية بالأم الحصان وقد حبت ... من الوتدات لي حبال معبّر
والحبال: حبال الرمل. يقول: ارتفعت له ولاحت هذه الحبال وهو بالوتدات. وفي «معجم البلدان» أنه جبل من جبال الدهناء، ثم ذكر أربعة أبيات من هذه القصيدة.
(٥) قرتاه: الغداة والعشي. وفي صلب ف وهامش ط: «قرتاه: برداه، أوّله وآخره». وفي ب، س: «قرناه اليوم أن لا» تحريف.
(٦) كذا في ط، م، ف و «معجم البلدان». ومرجع الضمير الربع. وفي سائر الأصول: «عليها». وأربت: أقامت. ورادة هنا: سحابة طوافة ترود وتجول. وحضرمية: منسوبة إلى حضرموت، أي تقبل من الجنوب. ومرتجز: سحاب يتتابع صوت رعده. وكأن فيه المصابح، لما يبدو فيه من لمعان البرق. يدعو للربع بالسقيا. ويقال مصباح ومصابيح ومصابح، بحذف الياء، كما يقال مفتاح ومفاتيح ومفاتح وفي ج، ب، س: «المصابحا» تصحيف.
(٧) كذا في ط، م، ج، ف و «معجم ما استعجم» للبكري و «معجم البلدان». وفي سائر الأصول: «بعدها».
(٨) في ب، س: «فالنوائحا» بالهمزة، وكذلك ورد في «معجم البلدان». ولعله وهم من ياقوت أو تصحيف من الناسخ أو المطبعة؛ فإن أبا عبيد البكري قال بالعبارة في معجمه: «النوابح، بفتح أوّله وبالباء المعجمة بواحدة والحاء المهملة على لفظ جمع نابحة».
وكربلاء ولعلع والعذيب والنوابح، كلها مواضع متقاربة بظاهر الكوفة. وفي «معجم البلدان» (في معبر - عليب) «فجوز العليب والعليب: موضع بين الكوفة والبصرة.
(٩) في ج، ب، س: «وباتت» بالتاء، تصحيف. والنوى هنا: الوجه الذي يذهب فيه.
(١٠) كذا في ط، م، ف. ولعله على تقدير العطف أي والشامتات الكواشحا. وفي سائر الأصول: «مع الشاميين والشامتين الكواشحا».
فإن كانت الراوية «مع الشانئين الشامتين الكواشحا» كان فيه وصف «الشامتين» بالكواشح، وهو قليل.
(١١) في الأصول ما عدا ط، م: «ألا تتبعين الحادثات» تحريف. وفي ج: «الجاريات» مثل ط، م.