كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر مقتل الوليد بن طريف

صفحة 338 - الجزء 12

  بعض أخلاق عبد اللَّه بن طاهر

  فأمّا خبر عبد اللَّه بن طاهر في صنعته هذا الصوت، فإنّ عبد اللَّه كان بمحلّ من علوّ المنزلة وعظم القدر ولطف مكان من الخلفاء، يستغني به عن التقريظ له والدّلالة عليه. وأمره في ذلك مشهور عند الخاصّة والعامّة، وله في الأدب مع ذلك المحلّ الذي لا يدفع، وفي السماحة والشجاعة ما لا يقاربه فيه كبير أحد.

  فرّق خراج مصر وقال أبياتا أرضى بها المأمون

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرّد أنّ المأمون أعطى عبد اللَّه بن طاهر مال مصر لسنة خراجها وضياعها، فوهبه كلَّه وفرّقه في الناس، ورجع صفرا من ذلك، فغاظ المأمون فعله. فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى، وهي:

  /

  نفسي فداؤك والأعناق خاضعة ... للنّائبات أبيّا غير مهتضم

  إليك أقبلت من أرض أقمت بها ... حولين بعدك في شوق وفي ألم

  أقفو مساعيك الَّلاتي خصصت بها ... حذو الشّراك على مثل من الأدم

  فكان فضلي فيها أنّني تبع ... لما سننت من الإنعام والنّعم

  ولو وكلت إلى نفسي غنيت بها ... لكن بدأت فلم أعجز ولم ألم

  فضحك المأمون وقال: واللَّه ما نفست عليك مكرمة نلتها ولا أحدوثة حسن عنك⁣(⁣١) ذكرها، ولكن هذا شيء إذا عوّدته نفسك افتقرت ولم تقدر على لمّ شعثك وإصلاح حالك. وزال ما كان في نفسه.

  أتاه معلى الطائي ومدحه فأجازه

  أخبرني وكيع قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللَّه بن فرقد قال أخبرني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال:

  / لمّا افتتح عبد اللَّه بن طاهر مصر ونحن معه، سوّغه المأمون خراجها. فصعد المنبر فلم يزل حتّى أجاز بها كلَّها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها. فأتاه معلىّ الطائيّ وقد أعلموه ما قد صنع عبد اللَّه بن طاهر بالنّاس في الجوائز، وكان عليه واحدا، فوقف بين يديه تحت المنبر فقال: أصلح اللَّه الأمير! أنا معلَّى الطائيّ، وقد بلغ منّي ما كان منك [إليّ]⁣(⁣٢) من جفاء وغلظ. فلا يغلظنّ عليّ قلبك، ولا يستخفّنّك الذي بلغك، أنا الذي أقول:

  يا أعظم النّاس عفوا عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود للمال

  لو أصبح النّيل يجري ماؤه ذهبا ... لما أشرت إلى خزن بمثقال

  تغلي⁣(⁣٣) بما فيه رقّ الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي

  تفكّ باليسر كفّ العسر من زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال


(١) في بعض الأصول: «حسن عندك» تحريف.

(٢) زيادة في ف.

(٣) أغلى بالشيء وأغلاه مثل غالى بالشيء وغالاه: جعله غاليا.