أخبار متفرقة
  نفسك فنعم! فقد نحس يومك معهم، وقد بقيت أنا عليك. فما عذرك - ولا عذر لك - في قولك:
  /
  سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا ... بحقل لكم يا عزّ قد رابنا حقلا
  نجاء الثّريّا كلّ آخر ليلة ... يجودهما جودا ويتبعه وبلا
  [ثم قلت(١) في آخرها]
  وما حسبت ضمريّة حدريّة ... سوى التّيس ذي القرنين أنّ لها بعلا
  / أهكذا يقول الناس ويحك! ثم تظنّ أنّ ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد، فتسبّ الرجال وتعيبهم! فقال: وما أنت وهذا؟ وما علمك بمعنى ما أردت؟ فقلت:
  هذا أعجب من ذاك. أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أوّل شعرك، وتحمل عليها التّيس في آخره! قال: فأطرق وذلّ وسكن. فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره بعدهم. فقالوا: ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منّا. قال فقلت لهم: إنّه لم يترني فأطلبه بذحل، ولكنّي نصحته لئلَّا يخلّ هذا الإخلال الشديد، ويركب هذه(٢) العروض التي ركب في الطَّعن على الأحرار والعيب لهم.
  شدد والي مكة في الغناء، فخرج فتية إلى وادي محسر وبعثوا لابن سريج فغناهم
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثني ابن جامع عن السّعيديّ عن سهل بن بركة وكان يحمل عود ابن سريج قال:
  كان على مكَّة نافع بن علقمة الكنانيّ، فشدّد في الغناء والمغنّين والنبيذ، ونادى في المخنّثين. فخرج فتية من قريش إلى بطن(٣) محسّر وبعثوا برسول لهم فأتاهم برواية من الشراب الطائفيّ. فلمّا شربوا وطربوا قالوا: لو كان معنا ابن سريج تمّ سرورنا. فقلت: هو عليّ لكم. فقال لي بعضهم: دونك تلك البغلة فاركبها وامض إليه. فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إيّاه. فقال لي: ويحك! وكيف لي بذاك مع شدّة السلطان في الغناء وندائه فيه؟ فقلت له: أفتردّهم؟ قال: لا واللَّه! فكيف لي بالعود؟ فقلت له: أنا أخبؤه لك فشأنك. فركب وسترت العود / وأردفني.
  فلمّا كنّا ببعض الطريق إذا أنا بنافع بن علقمة قد أقبل، فقال لي: يا بن بركة هذا الأمير! فقلت: لا بأس عليك، أرسل عنان البغلة وامض ولا تخف، ففعل. فلمّا حاذيناه عرفني ولم يعرف ابن سريج، فقال لي بابن بركة: من هذا أمامك؟ فقلت: ومن ينبغي أن يكون! هذا ابن سريج. فتبسّم [ابن] علقمة ثم تمثّل:
  فإن تنج منها يا أبان مسلَّما ... فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
  ثم مضى ومضينا. فلمّا كنّا قريبا من القوم نزلنا إلى شجرة نستريح، فقلت له: غنّ مرتجلا؛ فرفع صوته فخيّل إليّ أنّ الشجرة تنطق معه، فغنّى:
(١) زيادة في ف.
(٢) كذا في ط. وفي أكثر الأصول: «هذا العروض الذي ركب». والعروض (بالفتح): الطريق في عرض الجبل.
(٣) بطن محسر: وادي المزدلفة بالقرب من مكة.