كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي زبيد ونسبه

صفحة 366 - الجزء 12

  وكلّ أجرد كالسّرحان أضمره ... مسح الأكفّ وسقى بعد إطعام⁣(⁣١)

  مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريّ طرفه سام⁣(⁣٢)

  - الروايا: الإبل التي تحمل أثقالهم وأزوادهم، وتجنب⁣(⁣٣) الخيل إليها فتضع حجافلها⁣(⁣٤) على أعجاز الإبل -

  لا يزجر الطَّير إن مرّت به سنحا ... ولا يفيض على قدح بأزلام⁣(⁣٥)

  وقال المدائني: لما مدح الحطيئة أبا موسى ¥ بهذه القصيدة وصله أبو موسى - وقد كان كتب من أراد وكملت العدّة - فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ¥ فكتب يلومه، فكتب إليه: إني اشتريت منه عرضي، فكتب إليه: أحسنت. قال: وزاد فيه حمّاد الراوية أنه - يعني نفسه - أنشدها بلال بن أبي بردة ولم يكن عرفها فوصله.

  أخبرني القاضي أبو خليفة إجازة قال حدّثنا محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال:

  قدم حماد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له: ما أطرفتني شيئا يا حمّاد! فعاد إليه فأنشده قول الخطيئة في أبي موسى، فقال له: ويحك! يمدح الحطيئة أبا موسى وأنا أروي شعره كله ولا أعلم بهذه؟

  أدعها تذهب في الناس.

  وكانت ولاية أبي موسى الكوفة بعد أن أخرج أهلها سعيد بن العاصي عنها، وتحالفوا ألا يولَّوا عليها إلا من يريدون⁣(⁣٦).

  وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون إلى سعيد بن العاص واختلافهم في تفضيل السهل على الجبل وما ترتب على ذلك

  أخبرني بالسبب في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال:

  كان قوم من وجوه أهل الكوفة من القرّاء يختلفون إلى سعيد بن العاص ويسألونه، فتذاكروا يوما السهل والجبل، فقال حسان بن محدوج: سهلنا خير من جبلنا: أكثر برّا وشعيرا، فيه أنهار مطَّردة، ونخل باسقات، وقلَّت فاكهة ينبتها الجبل إلا والسهل ينبت مثلها. فقال له / عبد الرحمن بن حبيش: صدقتم، وددت أنه للأمير وأنّ لكم أفضل منه. فقال الأشتر: تمنّ للأمير أفضل ولا تتقرّب إليه بأموالنا، فقال: ما ضرّك ذلك. واللَّه لو يشاء أن يكون له لكان. قال كذبت واللَّه لو أراد ذلك ما قدر عليه. فقال سعيد: واللَّه ما السواد إلا بستان لقريش، ما شئنا أخذنا منه،


(١) السرحان: الذئب.

(٢) مستحقبات، من استحقب الشيء: شدّه في مؤخر الرحل واحتمله خلفه.

(٣) تجنب إليها: تقاد إلى جنبها.

(٤) جحافلها: شفاها.

(٥) الأزلام: جمع زلم، وهو القدح الذي كان يستسقم به.

(٦) في ف: «يختارون».