كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر كثير وخندق الأسدي

صفحة 395 - الجزء 12

  قد لقينها وهي سائرة في نسائهم في الجلاء⁣(⁣١)، في عام أصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة، وكانت عزّة من أجمل النساء وأدبهن وأعقلهن⁣(⁣٢)، ولا واللَّه ما رأى لها وجها قطَّ، إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها. فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه، فقالوا له: إنك قد شهرت نفسك⁣(⁣٣) وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك. قال: فإني لا أذكرها بما تكرهون. فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء. فتبعهم على راحلته فزجروه، فأبى إلا أن يلحقهم بنفسه، فجلس له فتية من جديّ، قال: وكان بنو ضمرة كلَّهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها، إلا ما كان من بني جديّ⁣(⁣٤) فإنهم كانوا صمعا غيرا⁣(⁣٥). فقعد له عون، أحد بني جديّ في تسعة نفر على محالج⁣(⁣٦)، فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه، ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار / كانوا يعرفونها من النهار، فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه، ثم أوثقوا بطن الحمار، فجعل يضطرب فيه ويستغيث، ومضوا عنه، فاجتاز به خندق الأسديّ، فسمع استغاثته - وهو خندق بن بدر - فعدل إلى الصوت حين سمعه، فوجد في الجيفة إنسانا، فسأله من هو وما خبره؟ فأخبره. فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده. فقال كثيّر في ذلك - قال الزّبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤمّليّ عن عبد اللَّه بن أبي عبيدة معمر بن المثنّى -

  أصادرة حجّاج كعب ومالك ... على كلّ فتلاء الذراعين محنق

  وذكر القصيدة كلَّها على ما مضت.

  أخبرني الحرميّ⁣(⁣٧) بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّلي عن أبي عبيدة قال:

  خندق الأسديّ هو الذي أدخل كثيّرا في مذهب الخشبيّة⁣(⁣٨).

  كثير يرثي خندقا حين قتل بعرفة

  أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن حبيب قال:

  لما قتل خندق الأسديّ بعرفة رثاه كثيّر فقال:

  شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة عرضا فؤادي

  أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي⁣(⁣٩)

  أويت لعاشق لم تشكميه ... نوافذه⁣(⁣١٠) تلذّع بالزّناد


(١) في بعض الأصول: «الحلاس»، وصوابه في ف.

(٢) في ح، ط: «من أجمل نساء وآدبه وأعقله». وفي ف: «من أجمل نساء الناس».

(٣) في ح: «شهرت نفسك فاكفف».

(٤) ما بعده إلى «عون» ساقط من ف.

(٥) صمع: ذوو حزم. غير: جمع غيور.

(٦) في ف: «مخالج» وفي ط: «محالح». والمحالج: جمع محلج كمنبر، وهو الخفيف من الحمر.

(٧) في ط، ف: «الحرمي قال».

(٨) الخشبية: قوم من الجهمية يقولون إن اللَّه تعالى لا يتكلم، وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد.

ويقال: هم ضرب من الشيعة، سموا بذلك لأنهم حفظوا خشبة زيد بن علي حين صلب. انظر «شرح القاموس» (مادة خشب).

(٩) في ح: «جنوء العائدات».

(١٠) أويت: رثيت وأشفقت. لم تشكميه: لم تجازيه. النوافذ: الفم وثقبا الأذنين والأنف. وفي «الديوان»: «جوانحه».