خبر كثير وخندق الأسدي
  قد لقينها وهي سائرة في نسائهم في الجلاء(١)، في عام أصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة، وكانت عزّة من أجمل النساء وأدبهن وأعقلهن(٢)، ولا واللَّه ما رأى لها وجها قطَّ، إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها. فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه، فقالوا له: إنك قد شهرت نفسك(٣) وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك. قال: فإني لا أذكرها بما تكرهون. فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء. فتبعهم على راحلته فزجروه، فأبى إلا أن يلحقهم بنفسه، فجلس له فتية من جديّ، قال: وكان بنو ضمرة كلَّهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها، إلا ما كان من بني جديّ(٤) فإنهم كانوا صمعا غيرا(٥). فقعد له عون، أحد بني جديّ في تسعة نفر على محالج(٦)، فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه، ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار / كانوا يعرفونها من النهار، فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه، ثم أوثقوا بطن الحمار، فجعل يضطرب فيه ويستغيث، ومضوا عنه، فاجتاز به خندق الأسديّ، فسمع استغاثته - وهو خندق بن بدر - فعدل إلى الصوت حين سمعه، فوجد في الجيفة إنسانا، فسأله من هو وما خبره؟ فأخبره. فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده. فقال كثيّر في ذلك - قال الزّبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤمّليّ عن عبد اللَّه بن أبي عبيدة معمر بن المثنّى -
  أصادرة حجّاج كعب ومالك ... على كلّ فتلاء الذراعين محنق
  وذكر القصيدة كلَّها على ما مضت.
  أخبرني الحرميّ(٧) بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّلي عن أبي عبيدة قال:
  خندق الأسديّ هو الذي أدخل كثيّرا في مذهب الخشبيّة(٨).
  كثير يرثي خندقا حين قتل بعرفة
  أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن حبيب قال:
  لما قتل خندق الأسديّ بعرفة رثاه كثيّر فقال:
  شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة عرضا فؤادي
  أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي(٩)
  أويت لعاشق لم تشكميه ... نوافذه(١٠) تلذّع بالزّناد
(١) في بعض الأصول: «الحلاس»، وصوابه في ف.
(٢) في ح، ط: «من أجمل نساء وآدبه وأعقله». وفي ف: «من أجمل نساء الناس».
(٣) في ح: «شهرت نفسك فاكفف».
(٤) ما بعده إلى «عون» ساقط من ف.
(٥) صمع: ذوو حزم. غير: جمع غيور.
(٦) في ف: «مخالج» وفي ط: «محالح». والمحالج: جمع محلج كمنبر، وهو الخفيف من الحمر.
(٧) في ط، ف: «الحرمي قال».
(٨) الخشبية: قوم من الجهمية يقولون إن اللَّه تعالى لا يتكلم، وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد.
ويقال: هم ضرب من الشيعة، سموا بذلك لأنهم حفظوا خشبة زيد بن علي حين صلب. انظر «شرح القاموس» (مادة خشب).
(٩) في ح: «جنوء العائدات».
(١٠) أويت: رثيت وأشفقت. لم تشكميه: لم تجازيه. النوافذ: الفم وثقبا الأذنين والأنف. وفي «الديوان»: «جوانحه».