كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي وجزة ونسبه

صفحة 440 - الجزء 12

  من بعض، وأنا معروف النسب، وقد كان رجل من بني سعد ابتاعني، فأساء إليّ وضرب وجهي، وقد بلغني أنه لا سباء في الإسلام، / ولا رقّ على عربيّ في الإسلام. فما فرغ من كلامه حتّى أتى مولاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه على أثره، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا غلام ابتعته بذي المجاز، وقد كان يقوم في مالي، فأساء فضربته ضربة واللَّه ما أعلمني ضربته غيرها قطَّ، وإن الرجل ليضرب ابنه أشدّ منها فكيف بعبده، وأنا أشهدك أنه حرّ لوجه اللَّه تعالى، فقال عمر لعبيد: قد امتن عليك هذا الرجل، وقطع عنك مؤنه البيّنة، فإن أحببت فأقم معه، فله عليك منّة، وإن أحببت فالحق بقومك، فأقام مع السعدّي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، وتزوّج زينب بنت عرفطة المزنيّة، فولدت له أبا وجزة وأخاه، وقال يعقوب: «وأخاه عبيدا» وذكر أن أباهما كان يقال له أو عبيد، ووافق من ذكرت روايته في سائر الخبر، فلما بلغ ابناه طالباه بأن يلحق بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم، فقال: لا أفعل ولا ألحق بهم فيعيّروني كلّ يوم ويدفعوني، وأترك قوما يكرموني ويشرّفوني، فو اللَّه لئن ذهبت إلى بني ظفر لا أرعى طمّة⁣(⁣١)، ولا أرد جمّة، إلا قالوا لي: يا عبد بني سعد قال: وطمّة: جبل لهم. فقال أبو وجزة في ذلك:

  /

  أنمى فأعقل في ضبيس معقلا ... ضخما مناكبه تميم الهادي⁣(⁣٢)

  والعقد في ملَّان غير مزلَّج⁣(⁣٣) ... بقوى متينات الحبال شداد

  كان من التابعين وروى عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه

  وكان أبو وجزة من التابعين، وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه ، ورأى عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، ولم يسند إليه حديثا، ولكنه حدّث عن أبيه عنه بحديث الاستسقاء، ونقل عنه جماعة من الرواة.

  أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قالا حدّثنا عبد اللَّه بن شبيب قال حدّثني إبراهيم بن حمزة قال حدّثني موسى بن شيبة قال:

  سمعت أبا وجزة السعديّ يقول قال رسول اللَّه : «ليس شعر حسان بن ثابت ولا كعب بن مالك ولا عبد اللَّه ابن رواحة شعرا، ولكنه حكمة».

  فأما خبر الاستسقاء الذي رواه عن أبيه عن عمر فإن الحسن بن عليّ أخبرنا به قال حدّثنا محمد بن القاسم قال حدّثني عبد اللَّه بن عمرو عن علي بن الصبّاح عن هشام بن محمد عن أبيه عن أبي وجزة السعديّ عن أبيه قال:

  شهدت عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرّمادة؛ فقام وقام الناس خلفه، فجعل يستغفر اللَّه رافعا صوته لا يزيد على ذلك؛ فقلت في نفسي: ما له لا يأخذ فيما جاء له؛ ولم أعلم أنّ الاستغفار هو الاستسقاء فما برحنا حتى نشأت⁣(⁣٤) سحابة وأظلَّتنا، فسقي الناس، وقلدتنا⁣(⁣٥) السماء قلدا، كل خمس


(١) كذا ضبط في ط، وفي: «معجم ما استعجم»: «طمية»، بضم الطاء وفتح الميم.

(٢) نماه ينميه: نسبه، وعقل: لجأ إلى معقل، والهادي: العنق، والتميم: التام والشديد.

(٣) المزلج: كل ما لم تبالغ فيه ولم تحكمه.

(٤) نشأ السحاب: ارتفع وبدا، وذلك في أول ما يبدأ.

(٥) قلدتنا: مطرتنا، والقلد (بالكسر): الحظ من الماء، و (بالفتح) المصدر.