كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه

صفحة 464 - الجزء 12

  إذا طارت نفوسهم شعاعا ... حمين المحصنات لدى الحجال⁣(⁣١)

  بطعن تعثر الأبطال منه ... وصرب حيث تقتنص العوالي⁣(⁣٢)

  أبى لي أنّ آبائي كرام ... بنوا لي فوق أشراف طوال⁣(⁣٣)

  بيوت المجد ثم نموت⁣(⁣٤) منها ... إلى علياء مشرفة القذال

  تزلّ حجارة الرامين عنها ... وتقصر دونها نبل النّضال

  أبا الحفّاث⁣(⁣٥) شرّ الناس حيّا ... وأعناق الأيور بني قتال

  رفعت مساميا لتنال مجدا ... فقد أصبحت منهم في سفال

  / قال أبو عمرو: بنو قتال إخوة بني يربوع رهط عقيل بن علَّفة وهم قوم فيهم جفاء، قال أبو عمرو: مات رجل منهم فلفّه أخوه في عباءة له، وقال أحدهما للآخر: كيف تحمله؟ قال: كما تحمل القربة. فعمد إلى حبل فشدّ طرفه في عنقه وطرفه في ركبتيه وحمله على ظهره كما تحمل القربة، فلما صار به إلى الموضع الذي يريد دفنه فيه حفر له حفيرة، وألقاه فيها، وهال عليه التراب حتى واراه. فلما انصرفا قال له: يا هناه⁣(⁣٦)، أنسيت الحبل في عنق أخي ورجليه، وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة. قال: دعه يا هناه، فإن يرد اللَّه به خيرا يحلله.

  خطب بنت يزيد بن هاشم فردّه ثم قبله فأبى

  وقال أبو عمرو: خطب شبيب بن البرصاء إلى يزيد بن هاشم بن حرملة المريّ ثم الصّرميّ ابنته، فقال: هي صغيرة، فقال شبيب: لا؛ ولكنك تبغي أن تردّني، فقال له يزيد: ما أردت ذاك، ولكن أنظرني هذا العام، فإذا انصرم فعليّ أن أزوّجك. فرحل شبيب من عنده مغضبا، فلما مضى قال ليزيد بعض أهله: واللَّه ما أفلحت! خطب إليك شبيب سيّد قومك فرددته! قال: هي صغيرة، قال: إن كانت صغيرة فستكبر عنده. فبعث إليه يزيد: ارجع فقد زوّجتك، فإني أكره أن ترجع إلى أهلك وقد رددتك، فأبى شبيب أن يرجع وقال:

  لعمري لقد أشرفت يوم عنيزة ... على رغبة لو شدّ نفسي مريرها⁣(⁣٧)

  ولكنّ ضعف الأمر ألا تمرّه ... ولا خير في ذي مرّة لا يغيرها⁣(⁣٨)

  تبيّن أدبار⁣(⁣٩) الأمور إذا مضت ... وتقبل أشباها عليك صدورها


(١) شعاعا: متفرقة. والحجال جمع حجلة كرقبة: وهي الكلة تهيأ للعروس.

(٢) العوالي: جمع عالية وهي أعلى الرمح.

(٣) أشراف: جمع شرف، وهو المكان العالي.

(٤) كذا في ج، وفي ط، م «بنيت» وفي ب، س «نبوت» تصحيف.

(٥) الحفاث: حيّة، على تشبيه قوم عقيل بها.

(٦) هن: كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان، فإذا ناديت مذكرا بغير التصريح باسمه قلت: يا هن أقبل، وقد تزاد الألف والهاء في آخره في النداء. خاصة فيقال: يا هناه أقبل، أي يا فلان، وتضم الهاء على تقدير أنها اخر الاسم، وتكسر لاجتماع الساكنين.

(٧) المرير والمريرة: العزيمة. وعنيزة: موضع، وهي هضبة سوداء ببطن فلج بين البصرة وحمى ضرية.

(٨) أمر الحبل: أحكم فتله. والمرة: القوة من قوى الحبل. وأغار الحبل: أحكم فتله.

(٩) رواية الحماسة: «أعقاب».