كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار العرجي ونسبه

صفحة 316 - الجزء 1

  سلطان. فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه.

  روايات أخرى في سبب الخصومة بين محمد بن هشام والعرجيّ

  وذكر إسحاق في خبره عن أيّوب بن عباية ووافقه عمر بن شبّة ومحمد بن حبيب: أن السبب في ذلك أنّ العرجيّ لاحى⁣(⁣١) مولى كان لأبيه فأمضّه⁣(⁣٢) العرجيّ، فأجابه المولى بمثل ما قاله له. فأمهله حتى إذا كان الليل أتاه مع جماعة من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله وأخذه وأوثقه كتافا⁣(⁣٣)، ثم أمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه ففعلوا، ثم قتله وأحرقه بالنار. فاستعدت امرأته على العرجيّ محمد بن هشام فحبسه.

  وذكر الزبير في خبره عن الضّحّاك بن عثمان: أنّ العرجيّ كان وكلّ بحرمه⁣(⁣٤) مولى له يقوم بأمورهنّ، فبلغه أنه يخالف إليهنّ، فلم يزل يرصده حتى وجده يحدّث بعضهنّ، فقتله وأحرقه بالنار. فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام المخزوميّ وكان واليا على مكة في خلافة هشام، وكان العرجيّ قد هجاه قبل ذلك هجاء كثيرا لمّا ولَّاه هشام الحجّ فأحفظه. فلَّما وجد عليه سبيلا ضربه وأقامه على البلس للناس⁣(⁣٥)، وسجنه حتى مات في سجنه.

  وذكر الزّبير أيضا في خبره عن عمّه وغيره أنّ أشعب كان حاضرا للعرجيّ وهو يشتم مولاه هذا، وأنه طال شتمه إيّاه. فلما أكثر ردّ المولى عليه، فاختلط من⁣(⁣٦) ذلك، فقال لأشعب: اشهد على ما سمعت. قال أشعب:

  وعلام أشهد، قد شتمته ألفا وشتمك واحدة. واللَّه لو أنّ أمّك أمّ الكتاب، وأمّة حمّالة الحطب ما زاد على هذا!

  تعذيب محمد بن هشام للعرجيّ وما كان يقوله العرجي من الشعر في ذلك

  قال الزّبير وحدّثني حمزة بن عتبة اللَّهبيّ قال:

  / لمّا أخذ محمد بن هشام المخزوميّ العرجيّ أخذه وأخذه معه الحصين بن غرير⁣(⁣٧) الحميريّ، فجلدهما، وصبّ على رؤسهما الزيت، وأقامهما في الشمس على البلس⁣(⁣٨) في الحنّاطين بمكة؛ فجعل العرجيّ ينشد:

  سينصرني الخليفة بعد ربّي ... ويغضب حين يخبر عن مساقي

  عليّ عباءة بلقاء⁣(⁣٩) ليست ... مع البلوى تغيّب نصف ساقي

  وتغضب لي بأجمعها قصيّ ... قطين البيت والدّمث⁣(⁣١٠) الرّقاق


(١) لا حاه: خاصمه وشاتمه.

(٢) أمضه: آلمه وأوجعه.

(٣) الكتاف: الوثاق وهو الحبل الذي يكتف به.

(٤) الحرم: النساء.

(٥) كذا فيء. وفي ت: «وأقامه على الناس». وفي ح: «وأقامه للناس». وفي سائر النسخ: وأقامه على البلس.

(٦) اختلط هنا: فسد عقله. يريد غضب غضبا شديدا حتى فسد عقله.

(٧) كذا في أكثر النسخ. وفي أ، م: «عزيز». وفي ت: «عزيز».

(٨) في ت: «وأقامهما على الناس في الحناطين».

(٩) في ت، ح: «برقاء» والبلقاء والبرقاء كلاهما: ما اجتمع فيه اللونان السواد والبياض.

(١٠) الدمث: جمع دمثاء، وهي الأرض اللينة السهلة.