أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  قصته مع جار له آذاه، وشعره في ذلك
  أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا الرياشيّ عن العتبي قال: كان لأبي الأسود جار في ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى، وكان بين دار أبي الأسود وبين داره باب مفتوح يخرج منه كل واحد منهما إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها، وكان الرجل ابن عمّ أبي الأسود دنية، وكان شرسا سئ الخلق، فأراد سدّ ذلك الباب، فقال له قومه: لا تفعل فتضّر بأبي الأسود وهو شيخ، وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنة، فأبى إلا سدّه، ثم ندم على ذلك لأنه أضرّ به، فكان إذا أراد سلوك الطريق التي كان يسلكها منه بعد عليه، فعزم على فتحه، وبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه منه وقال فيه:
  صوت
  بليت بصاحب إن أدن شبرا ... يزدني في مباعده ذراعا
  وإن أمدد له في الوصل ذرعي ... يزدني فوق قيس الذرع باعا(١)
  أبت نفسي له إلا اتّباعا ... وتأبى نفسه إلا امتناعا
  كلانا جاهد أدنو وينأى ... فذلك ما استطعت وما استطاعا
  الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه لعريب خفيف رمل. ولعلويه لحن غير منسوب. قال وقال أبو الأسود أيضا في ذلك:
  لنا جيرة سدّوا المجازة بيننا ... فإن أذكروك السدّ فالسدّ أكيس
  ومن خير ما ألصقت بالجار حائط ... تزلّ به سفع الخطاطيف أملس(٢)
  وقال أيضا في ذلك:
  أخطأت حين صرمتني ... والمرء يعجز لا محاله(٣)
  والعبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه المقالة
  نزل في بني قشير فآذوه فقال فيهم شعرا
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه وأخبرني به محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا / أحمد بن القاسم البزّي قال حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ عن ابن عائشة ولم يقل عن أبيه له قال:
  / كان أبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير، وكانت بنو قشير عثمانية، وكانت امرأته أمّ عوف منهم، فكانوا
(١) قيس: قدر.
(٢) سفع: سود تضرب إلى الحمرة.
(٣) لا محالة: لابدّ، وفي «اللسان العرب» مادة (حول): وأنشد ابن بري لأبي دواد يعاتب امرأته في سماحته بماله:
حاولت حين صرمتني ... والمرء يعجز لا المحالة
والمحالة: «الحيلة».