أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  أحبب إذا أحببت حبا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
  وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
  وكن معدنا للحلم واصفح عن الخنا ... فإنك راء ما عملت وسامع
  آذاه جار له فباع داره واشترى دارا في هذيل وقال في ذلك شعرا
  وقال المدائني حدّثني أبو بكر الهذليّ قال:
  كان لأبي الأسود جار من بني حليس بن يعمر بن نفاثة بن عديّ بن الديل، من رهطه دنية - ومنزل أبي الأسود يومئذ في بني الديل - فأولع جاره برميه بالحجارة كلما أمسى، فيؤذيه. فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم، فكلموه ولاموه، فكان ما اعتذر به إليهم أن قال: لست أرميه، وإنما يرميه اللَّه لقطعه للرحم وسرعته إلى الظلم في بخله بماله، فقال أبو الأسود: واللَّه ما أجاور رجلا يقطع رحمي ويكذب على ربي. فباع داره واشترى دارا في هذيل، فقيل له: يا أبا الأسود، أبعت دارك! قال: لم أبع داري، ولكن بعت جاري، فأرسلها مثلا وقال في ذلك:
  رماني جاري ظالما برميّة ... فقلت له مهلا فأنكر ما أتى
  / وقال الذي يرميك ربّك جازيا ... بذنبك، والحوبات تعقب ما ترى(١)
  / فقلت له لو أن ربي برمية ... رماني لما أخطا إلهي ما رمى
  جزى اللَّه شرّا كلّ من نال سوءة ... وينحل فيها ربّه الشرّ والأذى(٢)
  وقال فيه أيضا:
  لحى اللَّه مولى السّوء لا أنت راغب ... إليه ولا رام به من تحاربه
  وما قرب مولى السوء إلا كبعده ... بل البعد خير من عدوّ تصاقبه(٣)
  وقال فيه أيضا:
  وإني لتثنيني عن الشتم والخنا ... وعن سبّ ذي القربى خلائق أربع
  حياء وإسلام ولطف وأنني ... كريم، ومثلي قد يضرّ وينفع
  فإن أعف يوما عن ذنوب أتيتها ... فإن العصا كانت لمثلي تقرع(٤)
  وشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتظلع(٥)
(١) الحوبة: الإثم.
(٢) نحله: نسبه إليه.
(٣) صاقبه: قاربه.
(٤) يشير إلى المثل: «إن العصا قرعت لذي الحلم»، ومعناه أن الحكيم إذا نبه انتبه، وأوّل من قرعت له العصا عامر بن الظرب لما طعن في السن أنكر من عقله شيئا، فقال لبنيه: إذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا إلى المجن بالعصا.
(٥) ظلَّع: غمز في مشيه.