أخبار الأسود ونسبه
  فماذا نصنع؟ قالت: احبسوا قداحه(١). / فلما راح القوم قالوا له: أمسك(٢). فدخل ليقامرهم فردّوا قداحه. فقال:
  لا أقم بين قوم لا أضرب فيهم بقدح؛ فاحتمل قبل دخول الأشهر الحرم، فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل؛ فاستسعى الأسود بني مرّة بن(٣) عباد وذكرّهم الجوار وقال لهم:
  يال عباد دعوة بعد هجمة ... فهل فيكم من قوّة وزماع(٤)
  فتسعوا لجار حلّ وسط بيوتكم ... غريب وجارات تركن جياع
  وهي قصيدة طويلة، فلم يصنعوا شيئا. فادّعى جوار بني محلَّم بن ذهل بن شيبان، فقال:
  قل لبني محلَّم يسيروا ... بذمّة يسعى بها خفير(٥)
  لا قدح(٦) بعد اليوم حتى توروا
  ويروى «إن لم توروا». فسعوا معه حتى استنقذوا إبله، فمدحهم بقصيدته الَّتي أوّلها:
  أجارتنا غضّي من السّير أو قفي ... وإن كنت قد أزمعت بالبين فاصرفي(٧)
  أسائلك أو أخبرك عن ذي لبانة ... سقيم الفؤاد بالحسان مكلَّف(٨)
  / يقول فيها:
  تداركني أسباب آل محلَّم ... وقد كدت أهوي بين نيقين نفنف(٩)
  هم القوم يمسي جارهم في غضارة ... سويّا سليم اللَّحم لم يتحوّف(١٠)
  فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل إبله الَّتي استنقذوها من أموالهم.
  طلب طلحة من الأسود بن يعفر أن يسعى له في إبله
  قال المفضّل: كان رجل من بني سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة، جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم(١١)، فأكلو(١٢) إبله، فسأل في قومه حتّى أتى الأسود بن يعفر يسأله أن يعطيه ويسعى له في إبله. فقال له الأسود: لست جامعهما لك، ولكن اختر أيّهما شئت. قال: أختار أن تسعى لي بإبلي. فقال الأسود لأخواله من بني عجل:
  يا جار طلحة هل تردّ لبونه ... فتكون أدنى للوفاء وأكرما
(١) القداح جمع قدح: سهام الميسر الَّتي كانوا يتقامرون بها. وفي س، ش: «أقداحه».
(٢) كذا في ط. وفي سائر الأصول: «أمسك قدحك».
(٣) في س، ب، ط: «فاستسعى الأسود بن مرة بن عباد» وهو تحريف. والتصويب عن نسخة ج.
(٤) الزماع (كسحاب وكتاب): المضاء في الأمر والعزم عليه.
(٥) الخفير هنا: المانع المجير.
(٦) القدح: طلب الإيراء، يقال: قدح بالزند يقدح قدحا. واقتدح: رام الإيراء به. وتورون: تستخرجون نار الزند، يقال: ورى الزند خرجت ناره، وأوراه غيره إذا استخرج ناره. وورى الزناد وإيراؤها يراد به الإنجاح وإدراك المطالب.
(٧) الصرف هنا: رد الشيء عن وجهه. يريد: اعدلي عما أزمعته من البين.
(٨) مكلف: مولع.
(٩) النيق: حرف من حروف الجبل، وأرفع موضع فيه. والنفنف: مهواة ما بين جبلين. وكل شيء بينه مهوى، فهو نفنف.
(١٠) الغضارة: النعمة والسعة في العيش. ويتحوف: يتنقص. وفي كل الأصول بالراء بدل الواو وهو تحريف.
(١١) في ب، س، ج: «جشم» والتصويب من ط وكتب «الأنساب».
(١٢) يريد أخذوها.