كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأسود ونسبه

صفحة 16 - الجزء 13

  فماذا نصنع؟ قالت: احبسوا قداحه⁣(⁣١). / فلما راح القوم قالوا له: أمسك⁣(⁣٢). فدخل ليقامرهم فردّوا قداحه. فقال:

  لا أقم بين قوم لا أضرب فيهم بقدح؛ فاحتمل قبل دخول الأشهر الحرم، فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل؛ فاستسعى الأسود بني مرّة بن⁣(⁣٣) عباد وذكرّهم الجوار وقال لهم:

  يال عباد دعوة بعد هجمة ... فهل فيكم من قوّة وزماع⁣(⁣٤)

  فتسعوا لجار حلّ وسط بيوتكم ... غريب وجارات تركن جياع

  وهي قصيدة طويلة، فلم يصنعوا شيئا. فادّعى جوار بني محلَّم بن ذهل بن شيبان، فقال:

  قل لبني محلَّم يسيروا ... بذمّة يسعى بها خفير⁣(⁣٥)

  لا قدح⁣(⁣٦) بعد اليوم حتى توروا

  ويروى «إن لم توروا». فسعوا معه حتى استنقذوا إبله، فمدحهم بقصيدته الَّتي أوّلها:

  أجارتنا غضّي من السّير أو قفي ... وإن كنت قد أزمعت بالبين فاصرفي⁣(⁣٧)

  أسائلك أو أخبرك عن ذي لبانة ... سقيم الفؤاد بالحسان مكلَّف⁣(⁣٨)

  / يقول فيها:

  تداركني أسباب آل محلَّم ... وقد كدت أهوي بين نيقين نفنف⁣(⁣٩)

  هم القوم يمسي جارهم في غضارة ... سويّا سليم اللَّحم لم يتحوّف⁣(⁣١٠)

  فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل إبله الَّتي استنقذوها من أموالهم.

  طلب طلحة من الأسود بن يعفر أن يسعى له في إبله

  قال المفضّل: كان رجل من بني سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة، جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم⁣(⁣١١)، فأكلو⁣(⁣١٢) إبله، فسأل في قومه حتّى أتى الأسود بن يعفر يسأله أن يعطيه ويسعى له في إبله. فقال له الأسود: لست جامعهما لك، ولكن اختر أيّهما شئت. قال: أختار أن تسعى لي بإبلي. فقال الأسود لأخواله من بني عجل:

  يا جار طلحة هل تردّ لبونه ... فتكون أدنى للوفاء وأكرما


(١) القداح جمع قدح: سهام الميسر الَّتي كانوا يتقامرون بها. وفي س، ش: «أقداحه».

(٢) كذا في ط. وفي سائر الأصول: «أمسك قدحك».

(٣) في س، ب، ط: «فاستسعى الأسود بن مرة بن عباد» وهو تحريف. والتصويب عن نسخة ج.

(٤) الزماع (كسحاب وكتاب): المضاء في الأمر والعزم عليه.

(٥) الخفير هنا: المانع المجير.

(٦) القدح: طلب الإيراء، يقال: قدح بالزند يقدح قدحا. واقتدح: رام الإيراء به. وتورون: تستخرجون نار الزند، يقال: ورى الزند خرجت ناره، وأوراه غيره إذا استخرج ناره. وورى الزناد وإيراؤها يراد به الإنجاح وإدراك المطالب.

(٧) الصرف هنا: رد الشيء عن وجهه. يريد: اعدلي عما أزمعته من البين.

(٨) مكلف: مولع.

(٩) النيق: حرف من حروف الجبل، وأرفع موضع فيه. والنفنف: مهواة ما بين جبلين. وكل شيء بينه مهوى، فهو نفنف.

(١٠) الغضارة: النعمة والسعة في العيش. ويتحوف: يتنقص. وفي كل الأصول بالراء بدل الواو وهو تحريف.

(١١) في ب، س، ج: «جشم» والتصويب من ط وكتب «الأنساب».

(١٢) يريد أخذوها.