أخبار منصور النمري ونسبه
  حجازي، أفتراه يكون أشعر مني، ودخله من ذلك ما يدخل مثله من الغمّ والحسد، واستنشد الرشيد منصورا، فأنشده:
  أمير المؤمنين إليك خضنا ... غمار الهول من بلد شطير(١)
  بخوص كالأهلة خافقات ... تلين على السّرى وعلى الهجير(٢)
  / حملن إليك أحمالا ثقالا ... ومثل الصخر والدر النثير(٣)
  فقد وقف المديح بمنتهاه ... وغايته وصار إلى المصير
  إلى من لا يشير إلى سواه ... إذا ذكر النّدى كفّ المشير
  فقال مروان: وددت واللَّه أنّه أخذ جائزتي وسكت.
  وذكر في القصيدة يحيى بن عبد اللَّه بن حسن فقال:
  يذلَّل من رقاب بني علي ... ومن ليس بالمنّ الصغير
  / مننت على ابن عبد اللَّه يحيى ... وكان من الحتوف على شفير(٤)
  مروان ينشد الرشيد
  قال مروان: فما برحت حتى أمرني هارون أمير المؤمنين أن أنشده، وكان يتبسم في وقت ما كان ينشده النمريّ، ويأخذ على بطنه، وينظر إلى ما قال، فأنشدته:
  موسى وهارون هما اللذان ... في كتب الأخبار يوجدان
  من ولد المهدى مهديّان ... قدّا عنانين على عنان(٥)
  قد أطلق المهديّ لي لساني ... وشدّ أزري ما به حباني
  من اللَّجين ومن العقيان ... عيديّة شاحطة الأثمان(٦)
  لو خايلت دجلة بالألبان(٧) ... إذا لقيل اشتبه النهران
  النمري لا يحتفل بقول مروان
  قال: فو اللَّه ما عاج(٨) النمريّ بذلك ولا احتفل به، فأومأ إليّ هارون أن زده؛ فأنشدته قصيدتي الَّتي أقول فيها:
  خلَّوا الطريق لمعشر عاداتهم ... حطم المناكب كل يوم زحام
(١) الشطير: البعيد.
(٢) الخوص: جمع خوصاء، الناقة لما في عينها من غؤور وصغر، وفي س: «نخوض» بالنون في أوله والضاد المعجمة في آخره، وهو تحريف.
(٣) أراد شعرا جزلا هو الغاية في النفاسة. وفي الأصول: «الصخرة الذر». وقد عابه مروان لهذا التعبير الَّذي لم يوفق فيه.
(٤) شفير كل شيء: حرفه.
(٥) قدا: قيسا وعملا. والعنان بكسر العين هو السير يشد به اللجام. والمعنى أنهما يشبهان المهدي في صفاته.
(٦) العيدية: ضرب من نجائب الإبل. وفي الأصول: «عيدته». وشاحط من قولهم شحط فلان في السوم، إذا بلغ أقصى ثمنه. وفي الأصول: «ساخطة الإيمان».
(٧) خايلت: فاخرت وبارت. وفي الأصول: «لو حايلت».
(٨) عاج: انعطف واهتم بالأمر.