أخبار منصور النمري ونسبه
  ارضوا بما قسم الإله لكم به ... ودعوا وراثة كلّ أصيد حام(١)
  أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
  قال: فو اللَّه ما عاج بشيء منها، وخرجت الجائزتان، فأعطى مروان مائة ألف، وأعطى النمريّ سبعين ألفا، وقال: أنت مزيد في ولد علي.
  قال: ولقد تخلص النمريّ إلى شيء ليس عليه فيه شيء، وهو قوله:
  فإن شكروا فقد أنعمت فيهم ... وإلا فالنّدامة للكفور
  وإن قالوا بنو بنت فحقّ ... وردّوا ما يناسب للذّكور
  قال: فكان مروان يتأسف على هذا المعنى أن يكو قد سبقه إليه، وإلى قوله:
  وما لبني بنات من تراث ... مع الأعمام في ورق الزّبور
  أخبرني بهذا الخبر محمّد بن عمران الصيرفي، قال: حدّثني الغنوي عن محمّد بن محمّد بن عبد اللَّه بن آدم عن أبي معشر العبديّ، فذكر القصة قريبا مما ذكره محمّد بن جعفر النحويّ يزيد وينقص، والمعنى متقارب.
  كان هارون الرشيد يحتمل أن يمدح بما يمدح به الأنبياء ويغضب لمن قال كأنه رسول
  أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن طهمان السّلمي قال: حدّثني أحمد بن سيار الشيبانيّ الشاعر قال:
  كان هارون أمير المؤمنين يحتمل أن يمدح بما يمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يردّه؛ حتّى دخل عليه نفر من الشعراء فيهم رجل من ولد زهير بن أبي سلمى، فأفرط في مدحه حتّى قال فيه:
  فكأنّه بعد الرسول رسول
  فغضب هارون ولم ينتفع به أحد يومئذ، وحرم ذلك الشاعر فلم يعطه شيئا، وأنشد منصور النمري قصيدة مدحه بها وهجا آل علي وثلبهم، فضجر هارون وقال له: يا ابن اللَّخناء، أتظنّ أنك تتقرب إليّ بهجاء قوم أبوهم أبي، ونسبهم نسبي، وأصلهم وفرعهم أصلي وفرعي؟! فقال: وما شهدنا إلا بما علمنا. فازداد غضبه، وأمر مسرورا فوجأ(٢) في عنقه وأخرج، ثم وصل إليه يوما آخر بعد ذلك فأنشده:
  /
  بني حسن ورهط بني حسين ... عليكم بالسّداد من الأمور
  فقد ذقتم قراع بني أبيكم ... غداة الرّوع بالبيض الذّكور(٣)
  أحين شفوكمو من كلّ وتر ... وضمّوكم إلى كنف وثير(٤)
  وجادوكم على ظمأ شديد ... سقيتم من نوالهم الغزير(٥)
  فما كان العقوق لهم جزاء ... بفعلهم وآدى للثؤور(٦)
(١) الأصيد: الملك والرافع رأسه كبرا، وحام: هو الَّذي يحمي الذمار.
(٢) وجأ في عنقه: ضربه.
(٣) البيض الذكور: السيوف القوية.
(٤) الوتر: الثأر. الكنف الوثير: الجناب اللين.
(٥) جاده: أمطره. في الأصول: «وجادتكم».
(٦) الثؤور: جمع ثأر.