نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره
  منع القرار فجئت نحوك هاربا ... جيش يجرّ ومقنب يتلمع(١)
  فقال عبد الملك: وما خوفك لا أمّ لك، لولا(٢) أنك مريب! فقال عبد اللَّه:
  إنّ البلاد علي وهي عريضة ... وعرت مذاهبها وسدّ المطلع
  فقال له عبد الملك: ذلك بما كسبت يداك، وما اللَّه بظلَّام للعبيد. فقال عبد اللَّه:
  كنا تنحّلنا البصائر مرّة ... وإليك إذ عمي البصائر نرجع(٣)
  إن الَّذي يعصيك منا بعدها ... من دينه وحياته متودّع
  آتي رضاك ولا أعود لمثلها ... وأطيع أمرك ما أمرت وأسمع
  أعطي نصيحتي الخليفة ناخعا ... وخزامة الأنف المقود فأتبع(٤)
  / فقال له عبد الملك: هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذنبك، فإذا عرفت الحوبةَّ قبلنا التوبة. فقال عبد اللَّه:
  ولقد وطئت بني سعيد وطأة ... وابن الزبير فعرشه متضعضع
  فقال عبد الملك: للَّه الحمد والمنة على ذلك. فقال عبد اللَّه:
  ما زلت تضرب منكبا عن منكب ... تعلو ويسفل غيركم ما يرفع
  ووطئتم في الحرب حتى أصبحوا ... حدثا يكوس وغابرا يتجعجع(٥)
  فحوى خلافتهم ولم يظلم بها ... القرم قرم بني قصيّ الأنزع(٦)
  لا يستوي خاوي نجوم أفّل ... والبدر منبلجا إذا ما يطلع(٧)
  / وضعت أميّة واسطين لقومهم ... ووضعت وسطهم فنعم الموضع(٨)
  بيت أبو العاصي بناه بربوة ... عالي المشارف عزّه ما يدفع(٩)
  فقال له عبد الملك: إنّ توريتك عن نفسك لتريبني، فأيّ الفسقة أنت؟ وماذا تريد؟ فقال:
  حربت أصيبيتى يد أرسلتها ... وإليك بعد معادها ما ترجع(١٠)
(١) المقنب: الخيل زهاء الثلاثين أو ما بين الثلاثين إلى الأربعين تجتمع للغارة. يتلمع: يبرق ويضيء بما فيه من لمعان السيوف والسلاح.
(٢) في ح: «إلا».
(٣) تنحله وانتحله: ادّعاه لنفسه وهو لغيره. وفي ح: «إن».
(٤) في الأصول: «ناجعا»، تحريف. ويقال نخع فلانا الود والنصيحة: أخلصهما له. الخزامة: حلقة في أنف البعير أو في لحمة أنفه.
(٥) في الأصل: «يؤس» تحريف. ويكوس، من قولهم كأس البعير: مشى على ثلاث قوائم بعد ما عرقب. يتجعجع: يضرب بنفسه الأرض من وجع.
(٦) الأنزع: من ينحسر عنه الشعر من أعلى الجبين حتى يصعد في الرأس. وفي صفة عليّ ¥ «البطين الأنزع». والعرب تحب النزع وتتيمن بالأنزع.
(٧) الخاوي من النجوم: الماحل الَّذي لا يمطر.
(٨) الواسطون: الحيار.
(٩) المشارف: الأعالي.
(١٠) حربت: سلبت المال ولم تترك شيئا. وفي ح، ب بالجيم المعجمة. أصيبيتى: تصغير أصبية بفتح الهمزة وسكون الصاد وكسر الباء جمع صبي.