كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره

صفحة 111 - الجزء 13

  وأرى الَّذي يرجو تراث محمّد ... أفلت نجومهم ونجمك يسطع⁣(⁣١)

  / فقال عبد الملك: ذلك جزاء أعداء اللَّه. فقال عبد اللَّه بن الحجاج:

  فانعش أصيبيتى الألاء كأنّهم ... جحل تدرّج بالشرّبة جوّع⁣(⁣٢)

  فقال عبد الملك: لا أنعشهم اللَّه، وأجاع أكبادهم، ولا أبقى وليدا من نسلهم، فإنهم نسل كافر فاجر لا يبالي ما صنع⁣(⁣٣). فقال عبد اللَّه:

  مال لهم مما يضنّ جمعته ... يوم القليب فحيز عنهم أجمع⁣(⁣٤)

  فقال له عبد الملك: لعلك أخذته من غير حلَّه، وأنفقته في غير حقّه، وأرصدت به لمشاقّة⁣(⁣٥) أولياء اللَّه، وأعددته لمعاونة أعدائه، فنزعه منك إذ استظهرت به على معصية اللَّه. فقال عبد اللَّه:

  أدنو لترحمني وتجبر فاقتي ... فأراك تدفعني فأين المدفع⁣(⁣٦)

  فتبسم عبد الملك، وقال له: إلى النار، فمن أنت الآن؟ قال: أنا عبد اللَّه بن الحجاج الثعلبيّ، وقد وطئت دارك وأكلت طعامك، وأنشدتك، فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه، وأنت بما عليك في هذا عارف. ثم عاد إلى إنشاده، فقال:

  ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عنّي فألبسني فثوبك أوسع

  فنبذ عبد الملك إليه رداء كان على كتفه، وقال: ألبسه، لا لبست! فالتحف به، ثم قال له عبد الملك: أولى لك واللَّه، لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض / هؤلاء فيقتلك، فأبى اللَّه ذلك، فلا تجاورني في بلد، وانصرف آمنا، قم حيث شئت.

  - قال اليزيدي في خبره: قال عبد اللَّه بن الحجاج: ما زلت أتعرّف منه كلّ ما أكره حتى أنشدته قولي:

  ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عني فألبسني فثوبك أوسع

  فرمى عبد الملك مطرفه⁣(⁣٧)، وقال: ألبسه. فلبسته - ثم قال: آكل يا أمير المؤمنين؟ قال: كل. فأكل حتّى شبع، ثم قال: أمنت وربّ الكعبة؟ فقال: كن من شئت إلا عبد اللَّه بن الحجاج. قال: فأنا واللَّه هو، وقد أكلت طعامك، ولبست ثيابك، فأيّ خوف عليّ بعد ذلك؟ فأمضى له الأمان.

  التجاؤه إلى أحيح بن خالد وهجاؤه إياه حين غدر به

  ونسخت من كتاب أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي، قال:


(١) هذا البيت في كل الأصول، وليس في ح. والَّذي هنا بمعنى الذين. كما في قوله تعالى: {وخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} وكقول الشاعر:

وإن الَّذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد

(٢) الألاء لغة في الألى، مثل ما جاء في قوله:

أبى اللَّه للشم الألاء كأنهم ... سيوف أجاد القين يوما صقالها

وروى: «فارحم أصيبيتي هديت فإنهم». الحجل: ضرب من الطير، واسم الجمع منه الحجلى. والبيت في «اللسان» (حجل) برواية: «حجل تدرج». الشربة: الأرض المعشبة لا شجر بها، وموضع بنجد.

(٣) الكلام من «ولا أبقى» إلى هنا ساقط من ح.

(٤) ورد في ح: «ما إن لهم مما تظن». حيز عنهم: أبعد.

(٥) المشاقة: المعاداة والمحاربة.

(٦) فأين المدفع: أين الجهة الَّتي تدفعني إليها لأنال منها.

(٧) المطرف بضم الأوّل وكسره: رداء من خز مربع ذو أعلام.