كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره

صفحة 119 - الجزء 13

  متنكَّرا، فدخل داري، وتحرّم بطعامي، واستكساني فكسوته ثوبا من ثيابي، وأعاذني فأعذته، وفي دون هذا ما حظر عليّ دمه، وعبد اللَّه أقلّ وأذلّ من أن يوقع أمرا، أو ينكث عهدا في قتله خوفا من شره، فإن شكر النعمة وأقام على الطاعة فلا سبيل عليه، وإن كفر ما أوتي وشاقّ اللَّه ورسوله وأولياءه فاللَّه قاتله بسيف البغي الَّذي قتل به نظراؤه ومن هو أشدّ بأسا وشكيمة منه، من الملحدين، فلا تعرض له ولا لأحد من أهل بيته⁣(⁣١) إلا بخير، والسلام.

  الوليد وابن هبيرة يأمران عبد اللَّه بمبارزة رجل في بركة ماء

  أخبرني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني، قال:

  كانت في القريتين⁣(⁣٢) بركة من ماء، وكان بها رجل من كلب يقال له دعكنة، / لا يدخل البركة معه أحد إلا غطَّه⁣(⁣٣) حتى يغلبه، فغطَّ يومها فيها رجلا من قيس بحضرة الوليد بن عبد الملك حتّى خرج هاربا، فقال ابن هبيرة وهو جالس عليها يومئذ: اللهم اصبب علينا أبا الأقيرع عبد اللَّه بن الحجاج. فكان أوّل رجل انحدرت به راحلته، فأناخها ونزل، فقال ابن هبيرة للوليد: هذا أبو الأقيرع واللَّه يا أمير المؤمنين، أيهما أخزى اللَّه صاحبه به. فأمره الوليد أن ينحطَّ عليه في البركة / والكلبيّ فيها واقف متعرض للناس وقد صدّوا عنه. فقال له: يا أمير المؤمنين إني أخاف أن يقتلني فلا يرضى قومي إلَّا بقتله، أو أقتله فلا ترضي قومه إلَّا بمثل ذلك، وأنا رجل بدويّ ولست بصاحب مال. فقال دعكنة: يا أمير المؤمنين هو في حلّ وأنا في حلّ. فقال له الوليد: دونك. فتكأكأ⁣(⁣٤) ساعة كالكاره حتى عزم عليه الوليد، فدخل البركة، فاعتنق الكلبيّ وهوى به إلى قعرها، ولزمه حتّى وجد الموت، ثم خلَّى عنه، فلما علا غطَّه غطَّة ثانية، وقام عليه ثم أطلقه حتى تروّح، ثم أعاده وأمسكه حتّى مات، وخرج ابن الحجاج وبقي الكلبيّ، فغضب الوليد وهمّ به، فكلَّمه يزيد وقال: أنت أكرهته، أفكان يمكَّن الكلبيّ من نفسه حتّى يقتله؟ فكف عنه. فقال عبد اللَّه بن الحجّاج في ذلك:

  نجّاني اللَّه فردا لا شريك له ... بالقريتين ونفس صلبة العود

  وذمّة من يزيد حال جانبها ... دوني فأنجيت عفوا غير مجهود⁣(⁣٥)

  لولا الإله وصبري في مغاطستي ... كان السليم وكنت الهالك المودي

  صوت

  يا حبّذا عمل الشيطان من عمل ... إن كان من عمل الشيطان حبّيها⁣(⁣٦)

  لنظرة من سليمى اليوم واحدة ... أشهى إليّ من الدّنيا وما فيها⁣(⁣٧)

  الشعر لناهض بن ثومة الكلابيّ، أنشدنيه هاشم بن محمّد الخزاعيّ، قال: أنشدنا الرياشيّ قال: أنشدنا ناهض بن ثومة أبو العطاف الكلابيّ هذين البيتين لنفسه. وأخبرني بمثل ذلك عمي من الكرانيّ عن الرياشي. والغناء لأبي العبيس ابن حمدون ثقيل أوّل ينشد بالوسطى.


(١) فيما عدا ش: «أهله سيئة».

(٢) القريتان: قرية بحمص.

(٣) غطه: غطسه.

(٤) تكأكأ: نكص وجبن.

(٥) فأنجيت بالجيم في ش، أما في ح، س فبالحاء، وهو تصحيف.

(٦) حبيها: أي حبي إياها.

(٧) لنظرة بالنون، وروى في ش، ح بالقاف، وهو تحريف.